الوطن

التراخي والتهاون قد يكلفنا موجة أشد عنفا

الخبير في علم الفيروسات الدكتور محمد ملهاق لـ" الرائد"

لم يستبعد الباحث في علم الفيروسات والبيولوجي محمد ملهاق، عودة سيناريو الموجات السابقة من "كورونا"، لكن بأشد حدة هذه المرة في ظل الوضعية العامة التي تميزها حالة التراخي والعزوف عن تلقي اللقاح، وعلى الرغم من حرصه على طمأنة المواطنين وتفادي التهويل، غير أنه يؤكد من خلال هذا الحوار الذي خص به "الرائد"، أن مخالفة التدابير الوقائية والامتناع عن التلقيح يجعلنا نتوقع تسجيل موجة "أشد عنفا" من سابقتها، مبرزا أن الأطقم الطبية "المنهكة" لن تكون قادرة على مواجهة أزمة اكتظاظ جديدة بالمستشفيات، ما يجعل إلزامية تلقي جرعتي اللقاح واحترام التدابير الوقائية، أكثر من ضرورة لمواجهة "كورونا" ومتحوراتها.

حاورته: إيمان سايح

 *دخلت الجزائر فعليا الموجة الرابعة من "كورونا"، وعادت حالات الإصابة بالفيروس إلى الارتفاع كيف يمكننا مواجهة ذلك والخروج بأقل خسائر في الأرواح؟

 لتفادي أي سيناريو سيء هناك استراتيجيتان أساسيتان لمواجهة الفيروس، الأولى تكمن في تفادي الإصابات من خلال الاستمرار في احترام التدابير الوقائية، أما بالنسبة للإستراتيجية الثانية فتتمثل في التلقيح الذي من شأنه أن يقينا من آثار ومضاعفات الموجة الرابعة لأنه أولا يجنبنا العناية المركزة وهذا الهدف الأول كما أن من شأنه تحقيق أهم شيء وهو تفادي ارتفاع عدد الوفيات وهو ما يعتبر من أهم أهداف التلقيح بشكل عام، كما أن أي شخص تلقى اللقاح سيكون محميا في حال الإصابة من من تعقيدات الفيروس، ما يجنبنا الوصول إلى أزمة اكتظاظ المستشفيات وامتلاء قاعات العناية المركزة كما شهدناها سابقا.

 *حسب الأرقام الرسمية فإن عدد المصابين المتواجدين بالمستشفيات يقارب 4 آلاف مريض، ما يجعلنا نتخوف من تكرار سيناريو "أزمة الأكسجين" الذي عاشته مستشفياتنا خلال الموجة الثالثة، ما هي الإجراءات الواجب اتخاذها لتفادي أزمة جديدة؟

 عمدنا منذ بداية الأزمة الصحية، إلى تأكيد ضرورة تحذير المواطنين من خطورة التراخي، كنا ندعو إلى احترام التدابير الوقائية عندما كانت حالات الإصابة لا تتجاوز 70 حالة في اليوم، فقد أكدنا في أكثر من مناسبة أن حالة التراخي المسجلة مقلقة، وكمختصين تحدثنا عن وجود ثلاث مؤشرات تكون نتائجها وخيمة فيما يتعلق بالوضع الصحي العام، أولها، حالة التراخي العامة على كل المستويات بل هناك من كان يأخذ الأمر على محمل المزاح.

أما ثاني مؤشر فهو ضعف عملية التلقيح حسب الاحصائيات الرسمية لوزارة الصحة، وهناك مؤشر ثالث وهو وجود متحور جديد للفيروس وهو "دالتا" الذي سجلنا إصابات كثيرة به في الجزائر، وكانت تجربتنا جد سلبية معه خلال الموجة الثالثة للفيروس، والآن نحن نسجل نفس المؤشرات، تراخي، ضعف تلقيح وظهور متحور جديد "أوميكرون" ما يضعنا امام إلزامية اتخاذ كل التدابير اللازمة لتفادي كل ما عشناه خلال هذه الموجة الجديدة للفيروس.

وعلى الرغم من أن علم الفيروسات وكغيره من العلوم ليس علما دقيقا ولا يمكن الجزم بأن كل توقعاتنا ستتحقق، إلا أن المؤشرات الثلاثة سالفة الذكر تجعلنا نتنبأ تسجيل موجة رابعة عنيفة لكورونا وهو احتمال كبير خاصة في حال ما إذا وصلنا إلى مرحلة الاكتظاظ بالمستشفيات، لأن الجيش الأبيض لن يكون بإمكانه مواجهة العدد الكبير من الإصابات وهو أصلا منهك من الموجات السابقة.

 *أعلن معهد باستور عن تسجيل حالتي إصابة جديدة بالمتحور الجديد "أوميكرون" ليرتفع بذلك عدد الحالات المؤكدة، كيف يمكن التصدي لهذا الوافد الخطير خاصة بعد تأكيد الدراسات سرعة انتشاره وانتقال العدوى؟

 نحن في الأساس نبحث عن الأسباب لتفادي النتائج، ولأن هذا المتحور وكغيره "مستورد" وليس محليا ففي بلادنا نادرا ما قد نسجل طفرة، يبقى الحل الأول والأهم في هذه المرحلة هو تشديد الرقابة والإجراءات الوقائية على الحدود.

أما فيما يتعلق بالمتحور " أوميكرون" وعلى الرغم من كونه لم ينتشر بكثرة في بلادنا على غرار "دالتا"، غير أنه سيعقد الوضعية الوبائية، لو بقيت وتيرة التلقيح على ما هي عليه الآن، خاصة وأن خطورة هذا المتحور تكمن في سرعة انتقاله ما سيزيد من تعقيد وضعية مستشفياتنا المنهكة.

 *لا تزال الوصاية تراهن على خيار التلقيح رغم العزوف المسجل من قبل المواطنين، حيث أحصت الجزائر لحد الآن تلقيح 13 مليون شخص فقط، كيف تقرؤون هذا الرقم وهل تتوقعون اقبالا للمواطنين على التلقيح مع زيادة حالات الإصابة؟

 بالنسبة للتلقيح وكمختص، دعيني أخبرك أن هناك معايير دولية خاصة بتحديد بلوغ المناعة الجماعية في أي مجتمع، ولقد ددت نسبة التلقيح بـ70 بالمائة فما فوق لنستطيع بعدها الحديث عن تحقيق مناعة جماعية، والآن ومع ظهور متحورات جديدة للفيروس فإن بعض الدول ستذهب إلى رفع هذه النسبة إلى أكثر من 80 بالمائة لأن المتحور يأتي بخصائص جديدة.

بالنسبة للجزائر ليست لدي معطيات رسمية بنسبة التلقيح لكن ما يتم تداوله بشأن تلقيح 27 بالمائة فقط من المواطنين يبقى قليلا كما يجب أن ألفت في هذه النقطة أنه لا يمكن الحديث عن شخص ملقح تلقى جرعة واحدة فقط بل يجب أن يكون قد تلقى الجرعتين معا حتى يمكننا القول بأنه اكتسب المناعة ضد الفيروس، لأن جرعة واحدة ليست كافية ولا تحمي الشخص.

ونحن في الجزائر قد بدأنا بتقديم الجرعة الثالثة من اللقاح لكن بشروط، كما يستوجب مرور فترة ستة أشهر على أخذ الجرعة الثانية قبل تلقي الثالثة أو ما يعرف بالجرعة المعززة.

 * هناك تخوف من انتهاء صلاحيات الجرعات غير المستعملة من اللقاح، في ظل العزوف المسجل لدى المواطنين، كيف يمكن للجهات المعنية التعامل مع هذه الفرضية؟

 حول هذه النقطة أوجه نداء للمواطنين بضرورة تلقي اللقاح لأن امكانية تلف الجرعات وانتهاء صلاحياتها، سيكلف الدولة مزيدا من المصاريف فكل جرعة من اللقاح تقدر بـ10 دولار، كما انه وفي حال استوجب علينا تدمير الجرعات منتهية الصلاحية فهذه الخطوة تتطلب شروطا وظروفا خاصة ومكلفة جدا، ناهيك عن إلزامية اقتناء جرعات إضافية ما يعني مصاريف آخرى، خاصة وأن الدولة مجبرة بموجب القانون على وقاية وحماية مواطنيها ما يلزمها باقتناء اللقاح وتقديمه مجانا لهم.

 *دخل قرار إجبارية الدفتر الصحي بالأماكن العمومية حيز التنفيذ، كيف تقرؤون هذه الخطوة وهل من شأنها الدفع بوتيرة التلقيح؟ تعميمها؟

 نحن كمختصون، كنا قد طالبنا منذ مدة بفرض ما يعرف بـ"جواز السفر الصحي" على الحدود، وذلك للضرورة العلمية كون كل المتحورات والفيروس بحد ذاته جاؤونا من الخارج ما يتطلب ضرورة حماية الحدود، أما فيما يتعلق بإجبارية تقديم الدفتر الصحي بالفضاءات العمومية، فنحن لحد الآن لسنا على دراية بحجم الامكانيات المسخرة لإنجاح العملية، وليست لدينا أي معطيات عن كيفية تطبيق القرار ولا حتى الاماكن والفضاءات المعنية به، الأهم في هذه النقطة هو تطبيق القانون، فإجبارية استظهار الدفتر الصحي يجب أن تكون محددة ومقننة، يعني لا يكفي اتخاذ القرار وإنما يجب تطبيقه.

 *نحن على بعد أيام من العودة المدرسية، ما هي النصيحة التي توجهونها للوصاية في ظل مخاوف ارتفاع حالات الإصابة أكثر؟

 النصيحة التي لطالما وجهتها وأتمسك بها، هي ضرورة احترام التدابير الوقائية والتوجه إلى تلقي جرعتي اللقاح لحماية أنفسنا وأبنائنا، بالنسبة للدخول المدرسي هناك لجنة علمية مكلفة بمتابعة مستجدات الوضع الوبائي، وهناك سلطات عمومية هي من تقرر ما يمكن اتخاذه في حال ارتفاع حالات الإصابة.

استدراك النقائص وعدم تكرار أخطاء الموجة الثالثة

هذه تعليمات بن بوزيد لمدراء الصحة تحسبا لـ "الرابعة"

أسدى وزير الصحة، عبد الرحمن بن بوزيد، أمس ، تعليمات لمدراء الصحة للعمل على “عدم تكرار الأخطاء والنقائص” التي سجلها القطاع خلال الموجة الثالثة لكوفيد-19، مشددا على أهمية ضمان التكفل اللازم بالمصابين بهذا الفيروس، حسبما أفاد به بيان للوزارة.

 وفي اجتماع له بمدراء الصحة عبر تقنية التحاضر عن بعد، حول الوضعية الوبائية التي تعيشها الجزائر بسبب الموجة الرابعة للفيروس وارتفاع عدد الإصابات في عدد من الولايات، جدد الوزير التأكيد على ضرورة “عدم تكرار الأخطاء والنقائص التي

سجلها القطاع خلال الموجة الثالثة”، مشددا على “أهمية التكفل بالمصابين في المستشفيات في ظل توفر كافة الإمكانيات البشرية والمادية اللازمة لمواجهة هذا الوباء”.

وبعد استماعه للشروحات المقدمة من قبل مدراء الصحة لبعض الولايات حول الإجراءات المتخذة لمواجهة الموجة الرابعة من الفيروس، خاصة ما تعلق منها بعدد الأسرة، مخزوني الأكسجين والأدوية من مضادات التخثر, تطرق الوزير إلى مسألة

رفض بعض المؤسسات الاستشفائية استقبال المرضى أو تحويلهم إلى مستشفيات أخرى بحجة عدم توفر الأسرة، داعيا المدراء المحليين إلى العمل على ضمان التكفل الصحي بالمصابين في كل الظروف.

 وفي نفس السياق، شدّد أيضا على ضرورة “ضمان سير عمل بعض المصالح الطبية ذات الأهمية الكبرى” كأمراض النساء والتوليد, الإنعاش، الجراحة العامة،الاستعجالات و طب الأطفال، مما سيساهم على استرجاع ثقة المواطن من خلال جعل

مختلف المؤسسات الصحية في خدمة المواطن لا غير، خاصة في ظل الإمكانيات المادية والبشرية التي تتوفر عليها أغلب المؤسسات.كما شدّد المسؤول الأول عن القطاع على أهمية التلقيح التي “تبقى الحل الوحيد لمجابهة الفيروس”، مما يستدعي تفكير مدراء الصحة في “إيجاد سبل جديدة لإقناع المواطنين بضرورة التلقيح”.

وللتذكير، فقد أسدى وزير الصحة توجيهات خاصة خلال لقاءه الأخير بمدراء الصحة في 13 ديسمبر الجاري والذي يدخل في إطار الاستراتيجية الاستباقية التي أقرتها دائرته الوزارية تحسبا لتسجيل تطورات خطيرة خلال الموجة الرابعة من فيروس كورونا، حيث طالبهم بتخصيص مستشفيات ومصالح خاصة بكوفيد-19 حسب التعداد السكاني و الحالات المسجلة بها و دون المساس بعدد من التخصصات ذات الأهمية الكبيرة.

وإضافة إلى إقرار نظام المناوبة وتوفير رقم هاتف للإجابة على انشغالات المواطنين، طالب الوزير بن بوزيد المدراء بإعداد جرد مفصل بخصوص المخزون الذي تتوفر عليه مختلف المؤسسات الصحية من مادة الأكسجين، تقديم تقرير مفصل حول المخزون الخاص بالأدوية الموجهة لمرضى فيروس كوفيد-19 وعلى رأسها مضادات التخثر وكذا معاينة وضعية مختلف التجهيزات الطبية التي تتوفر عليها المؤسسات وصيانتها بشكل مستعجل.

من نفس القسم الوطن