الوطن

إبراهيم مراد في مهمة فك شيفرة "الاستثمارات العالقة"

بين تحركات الوساطة وبيروقراطية الإدارة

 تضطلع "وساطة الجمهورية" بدور هام، كـ "هيئة طعن غير قضائية"، الغرض منها إزالة المظاهر السلبية التي خيمت على "مفاصل الإدارة" بشكل أساس، "واقع سوداوي" ترسم بسبب تفشي "الفساد الإداري" في صورة البيروقراطية والمحسوبية وغيرها .. وفي هذا الصدد نحاول تسليط الضوء على الديناميكية التي باتت تعرفها هيئة "وسيط الجمهورية"، خاصة في الفترة الأخيرة، بعد أن أسند إليها رئيس الجمهورية ملفا في غاية التعقيد، ويتعلق الأمر بـ "الاستثمارات العالقة".

 إن الحديث عن مهام "وسيط الجمهورية" ودوره في الإسهام في حلحلة المشاكل البيروقراطية والعراقيل الإدارية، يحتم علينا النظر في الطبيعة القانونية لهذه الهيئة التي تعزز بها النظام المؤسساتي في الجزائر، والتي تم إعادة استحداثها بموجب المرسوم الرئاسي 20- 45 المؤرخ في 15 فيفري 2020، علما أن منصب وسيط الجمهورية" كان قد تم استحداثه لأول مرة في سنة 1996 قبل أن يتم الغاؤه ثلاث سنوات من بعد، أي في عام 1999، وكذا إلى المناخ السياسي السائد حين ذاك، على خلفية الحراك الشعبي الذي أطاح بالنظام السابق.

 هذه مهام وصلاحيات وسيط الجمهورية

 وقد جاء إعادة استحداث هذه الهيئة، بعد شهرين فقط من تولي الرئيس تبون سدة الحكم، من خلال المرسوم سالف الذكر، ولعل "التراكمات السلبية" المورثة عن النظام السابق، لاسيما ما تعلق باستشراء "الفساد الإداري" وتغول البيروقراطية والمحسوبية وغيرها من السلوكات والمظاهر السلبية داخل جسد الإدارة، فرضت استحداث هذه الهيئة كأداة رقابية، تؤول إليها صلاحية النظر في شكاوي المواطنين، ومساءلة الإدارات المعنية.

بالمقابل فإن إدراك السلطة السياسية الجديدة التي أفرزتها رئاسيات 12 ديسمبر 2019، لحجم الرهانات وضخامة الملفات التي كانت مطروحة حين ذاك وما تزال إلى اليوم، حتم عليها استحداث منصب "وسيط الجمهورية" كـ "هيئة طعن غير قضائية" للإسهام في " حماية حقوق المواطنين وحرياتهم وفي قانونية سير المؤسسات والادارات العمومية"، وتكون موضوعة لدى رئيس الجمهورية مباشرة.

قد يعتقد البعض أن مهمة "وسيط الجمهورية" شكلية، لكن إن أمعنا النظر في الصلاحيات التي خولها المرسوم الرئاسي 20- 45، تتضح الصورة بشكل أوسع، حول الدور المنوط بوسيط الجمهورية، وذلك من خلال " المتابعة والرقابة العامة التي تسمح له بتقدير حسن علاقات الادارة مع المواطنين، وفي هذا الاطار، وبموجب المرسوم سالف الدكر "يمكن لأي شخص طبيعي استنفذ كل طرق الطعن ويرى انه وقع ضحية غبن بسبب خلل في تسيير مرفق عمومي أن يخطر وسيط الجمهورية".

وكل هذا يعد مؤشرا على أن هناك إرادة حقيقية من قبل السلطة السياسية الحالية لاحداث القطيعة مع ممارسات الماضي ووضع حد للفساد المستشري داخل الإدارات العمومية، ويعزز هذا الطرح ما ذكره نص المادة التي تؤكد على أنه " بإمكان وسيط الجمهورية أن يقترح في التقارير التي يرفعها إلى رئيس الجمهورية التدابير والقرارات التي ينبغي اتخاذها ضد الادارة المعنية و/ أو موظفيها المقصرين".

 إبراهيم مراد،، خبرة التسيير لتفعيل دور الوساطة

 وسعيا منه لبعث الروح في هذه الهيئة، قرر رئيس الجمهورية إسناد مسؤولية تسيير "وساطة الجمهورية" إلى شخصية لها إطلاع واسع على خبايا الشأن المحلي وخفايا الإدارات العمومية، بالاضافة إلى الدراية الكبيرة بمجمل المشاكل التي يتخبط فيها المواطنون، فضلا عن الصعوبات التي يتلقاها المستثمرون، بسبب العراقيل البيروقراطية التي حالت دون تجسيد مشاريعهم، ويتعلق الأمر بإبراهيم مراد الذي شغل منصب والي لسنوات طويلة، كما أسندت اليه قبل توليه رئاسة " الوساطة" منصب مستشار مكلف بمناطق الظل.

وقد حملت وساطة الجمهورية على عاتقها، وبتوجيهات من رئيس الجمهورية مهمة التكفل بملفات المستثمرين العالقة، وفي هذا الصدد عقد مؤخرا اجتماع تنسيقي جمع وزير الصناعة أحمد زغدار بوسيط الجمهورية إبراهيم مراد، وذلك في إطار اشراك وساطة الجمهورية في متابعة هذا الملف الذي تسعى السلطات العمومية إلى إيجاد حلول جذرية له.

وبموجب هذا الاجتماع تحركت وساطة الجمهورية، من أجل التكفل بانشغالات المتعاملين الصناعيين بهدف رفع القيود والعراقيل على مشاريعهم الاستثمارية المجمدة لسبب أو لآخر، وفي هذا الصدد لفت وسيط الجمهورية الى ضرورة "رفع كل ما يعوق السير الحسن للاستثمار"، مذكرا بأهمية إحصاء المشاريع المتوقفة والعوائق الأساسية لها.

ويبحث إبراهيم مراد في لقاءاته الماراطونية التي جمعته بمختلف المتدخلين في مجال الاستثمار، سواء تعلق الأمر بالقطاعات الوزارية أو بالمهنيين عن الأسباب التي عرقلت تجسيد المشاريع من جهة وعن الحلول التي بإمكانها حلحلة هذه الملفات، حيث لفت وسيط الجمهورية في تصريح سابق إلى بعض الأسباب، منها عدم تسليم رخصة بناء أو شهادة المطابقة أو رخصة الاستغلال وكذا عدم تهيئة المنطقة الصناعية أو عدم الربط بالكهرباء أو الماء.

ولحلّ هذه الإشكالات، دعا مراد إلى تكييف القوانين أو بحلول استثنائية من أجل تسهيل النشاطات الصناعية أو السماح بتوسيع المشاريع، ويأتي هذا في وقت كان رئيس الجمهورية، قد كلف، خلال اجتماع مجلس الوزراء المنعقد في 21 نوفمبر الجاري، وسيط الجمهورية بـ "التكفل بانشغالات الصناعيين الذين تعطلت مشاريعهم بسبب خلفيات بيروقراطية تعود لمخلفات تسيير الفترة السابقة".

 الواقع والتحديات...

 وما يلاحظ أن وساطة الجمهورية قد انتقلت إلى السرعة القصوى في التكفل بملفات الاستثمارات العالقة، وذلك توازيا مع مخرجات اجتماع الحكومة والولاة، الذي أسدى الرئيس تبون خلاله تعليمات صارمة تقضي بالعودة إلى وسيط الجمهورية من أجل رفع التظلمات التي يطرحها المتستثمرون بسبب تجاوزات بعض الاداريين الذين وصفهم الرئيس بـ "البيروقراطيين".

من جهة أخرى تعكس الخرجات الميدانية، التي شرع فيها وسيط الجمهورية لمختلف الولايات، توجها جديدا يرمي إلى تفعيل دور هذه الهيئة، كأداة حقيقية لحلحلة الملفات الثقيلة، أبرزها ملف الاستثمارات العالقة التي جمدت بسبب عراقيل إدارية بالدرجة الأولى، ومن خلال الأصداء التي وردتنا، فقد تم التكفل بعدد كبير من مشاكل المستثمرين الذين تعرضت مشاريعهم لتجميد مقصود نتاج عراقيل بيروقراطية.

وتزامنت تحركات وساطة الجمهورية نحو التكفل بانشغالات المستثمرين والصناعيينّ، مع التوجهات الجديدة لرئيس الجمهورية، الذي يسعى لأن تكون 2022 سنة اقتصادية بامتياز، وهذا لايتأتى إلا من خلال تشجيع الاستثمار المحلي، وإزاحة العقبات في وجه المستثمرين الحقيقيين الذين وقعوا في السابق ضحية لـ "الفساد إداري"، ومن ثمة إدماجهم في الديناميكية الاقتصادية المرتقبة.

وكان وسيط الجمهورية قد أكد في حديث إذاعي سابق بأنه" سيتم، قبل نهاية السنة الجارية، إيجاد الحلول المناسبة لمشاكل العديد من الملفات الاستثمارية العالقة"، مشددا في نفس الوقت على ضرورة البحث عن الحلول المناسبة لهذه المشاكل التي يعاني منها قطاع الاستثمار، خاصة في جانبه الصناعي، من خلال التنسيق ما بين الوزارات المعنية والولاة وكذا هيئة وسيط الجمهورية".

وبالعودة الى الهيكل التنظيمي لمصالح "وسيط الجمهورية"، وتذكيرا بما سبق، وبالنظر الى المهام الكثيرة المسندة لهاته الهيئة، فقد اختار ابراهيم مراد طاقما إداريا معاونا يتشكل من كفاءات واطارات من مختلف الاختصاصات بهدف التكفل بمجمل الملفات التي تصل الى الهيئة سواء على المستوى المركزي أو على مستوى المندوبيات الولائية، حيث يسهر هذا الطاقم على اعداد دراسة واقعية للانشغالات والملفات المطروحة.

وهنا يتوجب التذكير بالمكاتب الخاصة التي تم استحداثها على مستوى الهيئة "مركزيا وولائيا" للاستماع إلى انشغالات المستثمرين والصناعيين، وهي خطوة من شأنها الإحاطة بمختلف الانشغالات التي يطرحها المستثمرون، ومن ثمة التكفل بها على مستوى الهيئات المعنية، لاسيما وأن وسيط الجمهورية وخلال اجتماع "الحكومة مع الولاة" الأخير، كان قد كشف الستار عن العرائض التي تصل الى مصالحه بخصوص الإشكالات المتعلقة بالعقار والاستثمار وغيرها من المشاكل الأخرى.

 وسيط الجمهورية بالسرعة القصوى

ومن هذا المنطلق، يمكن أن تلعب وساطة الجمهورية دورا محوريا في الإسهام في حلحلة مختلف الإشكالات المطروحة، وبالتنسيق مع مختلف القطاعات الوزارية ذات الصلة بملف الاستثمار، حيث كان هذا الملف محل انتقاد كبير من طرف رئيس الجمهورية، حيث حذر بمناسبة ندوة الإنعاش الصناعي التي أشرف عليها مؤخرا، من مظاهر البيروقراطية وتعطيل مصالح المستثمرين".

كما شدّد رئيس الجمهورية بالمناسبة على ضرورة رفع العراقيل أمام المصانع الموجودة والمساعدة في إتمام المشاريع قيد الانجاز أو تلك التي تم تعطيلها، متسائلا عن الأسباب التي ساهمت في تعطيل هذه المشاريع، لكن فيما يبدو أن دعوته "للتقرب من وسيط الجمهورية" تحمل دلالة واضحة عن منحه الضوء الأخضر لهاته الهيئة من أجل التكفل بانشغالات المستثمرين، حين قال "على كل من تعرض للظلم الاتصال بوسيط الجمهورية".

 علاقة تكاملية لتسهيل دور الإدارة

 الأكيد أن المهمة التي أوكلت إلى "وسيط الجمهورية" هي في غاية التعقيد، بالنظر إلى ما يعرفه العام والخاص عن واقع الادارة التي لم تستطع التخلص من ذهنيات التسيير البالية، لكن بالمقابل لاحت في الأفق مؤشرات ايجابية حول إمكانية تجاوز هذا "الوضع القاتم" بداية مع تفاعل بعض القطاعات الوزارية مع تعليمات الرئيس القاضية بأخد تقارير وساطة الجمهورية بعين الاعتبار، وهنا نذكر بالتعليمات التي أصدرها وزير الموارد المائية والموجهة إلى المسؤولين التابعين لقطاعه، تلزمهم بالتكفل والرد على جميع شكاوى المواطنين، لاسيما تلك التي ترد من هيئة وسيط الجمهورية والمندوبين المحليين.

إن المهام المسندة لوسيط الجمهورية لا تتعارض أو تتداخل بأي شكل من الأشكال مع الصلاحيات والمسؤوليات التي تحوزها باقي الهيآت والمؤسسات، بل هي علاقة تكاملية تندرج ضمن مسار بناء الجزائر الجديدة، وعليه فإن وسيط الجمهورية هيئة تساهم في إيجاد الحلول للمسائل العالقة، كما أن دورها يقتصر على تسهيل دور الإدارة في حلحلة المشاكل سواء تلك المتعلقة بالمواطنين أو بقطاع الاستثمار على وجه الخصوص. فهذه العلاقة التكاملية، تبرز بوضوح من خلال اللقاءات التي تجمع وسيط الجمهورية مع مختلف ممثلي القطاعات والمؤسسات ذات الصلة.

وما يستشف من المسار الجديد الذي تبنته هيئة إبراهيم مراد، أن الأخيرة ستلعب دورا أساسيا في تسهيل عمل الإدارة وردع السلوكات البيروقراطية التي تعد حجرة عثرة أمام ديناميكية التغيير التي انتهجها الرئيس تبون، كما من شأن هذه الهيئة أن تعيد الثقة للمواطنين ولمستثمرين ضاقوا ذرعا بممارسات بعض الإداريين، مما تسبب في تعطيل مشاريعهم لسنوات، كما من شأن هده الخطوات أن تعطي دفعا لعجلة الإنعاش الاقتصادي، التي يراد لسنة 2022 أن تكون انطلاقتها الحقيقية.

من نفس القسم الوطن