الوطن

رفع التجريم عن فعل التسيير لا يعني الحصانة

تسيير المجالس المحلية، قانونيون يحذّرون:

اعتبرت عديد التشكيلات السياسية أن فتح المجال للحديث عن رفع التجريم عن فعل التسيير أعطى نفسا جديدا للمترشحين في الانتخابات المحلية، ودافعا لبدل مجهودات أكبر في دفع عمليات التنمية، فيما حذر مختصون في القانون من إمكانية الخلط بينه وبين مفهوم الحصانة.

شجعت الإرادة المعبر عنها من طرف السلطات، لرفع التجريم عن فعل التسيير، عدة مترشحين للمشاركة في الانتخابات المحلية لـ 27 نوفمبر الجاري، باعتبارها ضمانة تحرر فعل التسيير في المجالس المحلية وتدفع بعجلة التنمية أكثر، في حدود احترام القانون والحفاظ على المال العام، على الرغم من الاستقلالية "النسبية" و"المحدودة" التي تتمتع بها البلدية، وخضوعها لرقابة الجهات الإدارية المركزية، التي تعيق أداء مهامها بما يستجيب لتطلعات المواطنين.

ويرى الأمين العام بالنيابة لحزب الحرية والعدالة، والاستاذ بالمدرسة العليا للتجارة والمدرسة الوطنية للإدارة، جمال بن زيادي، أن إعداد قانوني البلدية والولاية كان لابد أن يتم قبل الانتخابات المحلية، حتى يعرف المترشحون على ما ذا يقبلون في مجال التسيير، مبرزا أن تجريم فعل التسيير "ورطة" وضعت فيها الأنظمة السابقة المسير الجزائري.

وأوضح أن الإشكال يكمن أساسا في فحوى القانون في حد ذاته وشفافية القاعدة القانونية ووضوح كيفية تفسيرها وتنفيذها، والتي تتطلب الدقة ليكون لها نفس المفهوم عند كل المسؤولين المحليين ونفس التنفيذ، أين دعا إلى ضرورة صياغته بطريقة تشاركية مع المسؤول المحلي، سيما وأن رفع التجريم سيجعل من المسؤول واثق في قراراته ويزيل تخوفاته.

من جهته يرى عضو المكتب الوطني لجبهة العدالة والتنمية, زكرياء شرفاوي, بصرامة أكبر في محاربة الفساد, مؤكدا أن العديد من المسؤولين المحليين تم الزج بهم في السجن لأسباب تتعلق بعدم وضوح القانون, إلى جانب ما تم تسجيله من عرقلة وتعطيل لمصالح المواطنين نتيجة التأخر في اتخاذ القرارات, وهو ما يستوجب رفع التجريم وارفاقه بإجراءات أخرى تحمي المال العام من الفساد.

وحسب نفس المصدر فإن "الإرهاب النفسي" الذي عاشه منتخبين في السنوات الاخيرة لا يساعد على تحفيز مشاريع التنمية في البلدية والولاية, داعيا في نفس الوقت إلى انتهاج لا مركزية القرار.

واعتبر الأمين التنفيذي في حزب جيل جديد أن قرار رفع التجريم عن فعل التسيير سيحرر المسؤول المحلي من خوفه من امكانية الوقوع في الخطأ ويساعده على إبراز قدراته التسييرية لتحقيق الأهداف لتي انتخب من أجلها,من جهة, كما سيلزم المراقب بتعزيز أداءه لغلق اي باب للفساد, الذي يبقى جريمة يعاقب عليها القانون ولا يتعلق بأي فعل للتسيير.

وتناول عضو المجلس الوطني لحزب جبهة المستقبل، عبد الرحمان خوجة, بالحديث الأوامر الشفوية التي يخضع لها المنتحب المحلي في كل مرة وتتسب في اتخاذه قرارات قد يجرم بشأنها حتى وإن تعلقت بمجموعة اوراق بيضاء تخطت قيمتها في السوق 500 دج للوحدة, حيث طالب ب :"منع الأوامر الشفوية والتعليمات بالهاتف في المجالس المحلية".

وحسب خوجة فإن منح الصلاحيات لرئيس البلدية، يكون لتنفيذ مشاريع التنمية والتعمق في احتياجات المواطن لتلبيتها وليس ليطبق تعليمات رئيس الدائرة أو الوالي, مبرزا أنه يدعم وبشدة مسألة رفع التجريم عن فعل التسيير , وتأطير التسيير في حال الحاجة بالتعليمات المكتوبة من رئيس الدائرة أو الوالي أو الوزير, ليتحمل كل طرف مسؤوليته لاحقا في حال الاخلال بالواجب أو القانون.

وتطرق الزاوي خياطي عن القائمة الحرة "أحرار الجزائر", إلى الخصوصية التي تعرفها بعض البلديات التي تحتاج الى ميزانية لا تكون كافية غالبا, مما يضطر رئيس البلدية أو أعضاء المجلس لاتخاذ قرارات استعجالية, في إطار التراضي, ثم تكيف على أساس أنها ممارسات غير قانونية, إلى جانب الحاجة إلى اتفاقيات مع شركات عمومية وخاصة تؤذي خدمات لفائدة البلدية ما يجعلها أكثر تخصصا وأقل عبئا في التسيير, واعتبر رفع التجريم عن فعل التسيير ايجابي في حال التزم المسؤول المحلي بالتنفيذ النزيه له.

ومن وجهة نظر أكاديمية، أيد الدكتور بكلية الحقوق جامعة الجزائر 1 فاروق دايخة إجراء رفع التجريم وتخفيف الإجراءات، مشيرا في هذا الجانب إلى صعوبة التنفيذ من حيث قانون الصفقات العمومية 15 /247، المعدّل سنة 2015, المتضمن ضوابط قاسية, سيما فيما يخص الاشهار, وهو ما تسبب في وضع عدة مسؤولين في السجون وأثار تخوفات عميقة لدى المسؤولين والمتعامل الاقتصادي أدت إلى رفض الدخول في لجان دراسة الصفقات العمومية وإعادة الميزانية السنوية للخزينة العمومية دون استهلاكها كلية .

ودعا في هذا الجانب إلى وضع بدائل قانونية للإجراءات المطولة, ومراجعة قانون الصفقات العمومية، بما يتماشى مع الإقلاع التنموي الذي يمثل إحدى ركائز الجزائر الجديدة.

وفي هذا المضمار، يتفق المختص في القانون الإداري, الدكتور بجامعة الجزائر 1 , منير قتال, مع زميله فيما يتعلق بتأييد رفع التجريم, غير أنه أكد أن المسؤول المحلي لا ينبغي أن ينظر إلى المسألة على أنها إتاحة ل "اللاعقاب", كون مختلف النصوص القانونية والتنظيمية المؤطرة والمحددة لعمل المسير المحلي والعقوبات مازالت قائمة,وإنما يعد تدبير استثنائي تسهيلي فرضته الظروف السياسية التي تمر بها البلاد من جهة ومبادئ إنشاء الجزائر الجديدة من جهة اخرى والتي تتمحور حول الانتخابات كأسلوب ديمقراطي يمثل قوة الشعب الحر".

وأوضح أنه لا يوجد حتى الآن نص قانوني يتحدث عن رفع التجريم عن فعل التسيير, ما يجعل الحديث عنه "مؤقتا", غير أن تقييد هذه التعليمة ضمن نص قانوني, سيساهم في رفع عجز المسؤولين المحليين عن تسيير الميزانية والذي ثبت ميدانيا سيما في ميزانية التجهيز, وإبرام الصفقات العمومية بفعل جهل المسؤول المحلي بالنصوص التنظيمية لها.

وأضاف الدكتور قتال، في هذا السياق، أن المشرع الجزائري أثقل كاهل المسؤولين المحليين بسبب قانون البلدية والنصوص التنظيمية المتشعبة في عدة مجالات, أين اقترح جمع قانوني البلدية والولاية في التعديل المرتقب, بعد انتخابات 27 نوفمبر, في قانون واحد يسمى "قانون الجماعات المحلية" يشير فيه المشرع الجزائري إلى رفع التجريم عن فعل التسيير وشروطه وضوابطه القانونية.

من نفس القسم الوطن