الوطن

ولايات محاصرة والعاصمة تنجو من كارثة باب الوادي !!

البنية التحتية لم تتمكن من استيعاب الأمطار

تسببت التقلبات الجوية، خلال الـ 48 ساعة الأخيرة، بالعاصمة وعدد من الولايات الوسطى والشرقية، في غرق مدن وأحياء بكاملها، حيث حاصرت السيول 14 ولاية وتم تسجيل خسائر بشرية ومادية بسبب كمية الأمطار الكبيرة التي لم تتمكن البنية التحتية للمجاري والبالوعات من استيعابها، ليكون المتهم الرئيسي هذه المرة في كوارث فصل الخريف هو التغير المناخي المتطرف الذي أصبحت تعيشه الجزائر وباقي دول العالم.

  • الحماية المدنية: السيول حاصرت 14 ولاية

وقد سجلت مصالح الحماية المدنية على إثر التقلبات الجوية خلال يوم أمس 43 عملية، لإنقاذ أشخاص حاصرتهم مياه الأمطار، لاسيما على مستوى ولايات الجزائر، بومرداس، البليدة، تيزي وزو، بجاية، البويرة، سطيف، قسنطينة، ميلة، تبسة، وهران، غليزان، الشلف، وتيسمسيلت. وقامت وحدات الحماية المدنية بـ 138 عملية لامتصاص مياه الأمطار المتسربة إلى بعض السكنات والمنشآت العمومية والخاصة، مع تسجيل 06 انهيارات جزئية للجدران الخارجية والمنازل القديمة، وكذا خسائر مادية تمثلت في سيارات وشاحنات جرفتها السيول.

كما تمكن أعوان الحماية المدنية من إنقاذ 09 أشخاص كانوا عالقين ومحصورين بسبب غزارة الأمطار، عبر بلديات درارية، خرايسية، بوزريعة، الحراش، بالإضافة إلى القيام بعدة عمليات امتصاص مياه الأمطار وإخراج عدة سيارات عالقة ببلديات باش جراح، درارية، سطاوالي، خرايسية، الأبيار، بلوزداد، بئر مراد رايس، المرادية، بئر خادم، سيدي موسى، القبة، عين البنيان، الكاليتوس، جسر قسنطينة، حسين داي، بن عكنون، الحراش، العاشور، باب الزوار.

  • قتلى ومفقودون وخسائر مادية بالجملة

وبالنسبة للخسائر البشرية، فقد قامت مصالح الحماية المدنية، أمس، بانتشال جثة امرأة متوفاة من وادي السحاولة في العاصمة، فيما لا تزال عملية البحث عن شخص آخر متواصلة من قبل ذات المصالح.

وحسب مصالح الحماية المدنية، فإن سيارة المعنيين غمرتها المياه على إثر السيول والفيضانات التي عرفتها العاصمة أمسية السبت. وجندت مصالح الحماية المدنية 80 عونا للبحث عن المفقودين، ليتم العثور على جثة السيدة التي تبلغ من العمر 52 سنة، بوادي السحاولة صبيحة أمس، كما قامت الفرق المختصة بعملية البحث عن شخص مفقود كان على متن سيارة جرفتها مياه "وادي الغولة" بالمكان المسمى "حوش فيميناس".

  • السيول عرّت القبور وسببت انجرافا للتربة بعين البنيان

كما تسببت الأمطار الطوفانية في إحداث طوارئ بعدة مناطق ببلديات غرب العاصمة، لاسيما بعد حادثة تعري القبور المتواجدة بمقبرة بلدية عين البنيان وانكشاف رفاة بعض الجثث وهو ما خلق حالة طوارئ لدى عدّة مواطنين خاصة أهالي الموتى الذين أعادوا دفن موتاهم من جديد بعد هذه الحادثة الصادمة.

  • هذه كمية الأمطار التي أغرقت العاصمة

من جهتها، كشفت مصالح ولاية الجزائر أن كمية الأمطار المتساقطة ليلة السبت على مستوى بلدية درارية فقط كانت قياسية، حيث فاقت تلك المسجلة خلال فيضانات باب الوادي سنة 2001. وأوضح بيان لمصالح الولاية أن ذروة الأمطار المتساقطة على مستوى درارية والمقدرة بحوالي 144 ملم سجلت رقما قياسيا، أكبر من ذلك المسجل ببوزريعة خلال فيضانات باب الوادي خلال عام 2001، والمقدرة بـ 132 ملم. وكشفت الجهة ذاتها عن كميات الأمطار المتساقطة إلى غاية الساعة السابعة من صباح أمس، وهذا حسب الأرقام المسجلة من طرف شركة المياه والتطهير لولاية الجزائر "سيال"، حيث بلغت 144 ملم ببلدية درارية، 126 ملم ببلدية عين البنيان، 100 ملم ببابا حسن، 88 ملم بالقبة، 76 ملم بخروبة، 64 ملم بتافورة، 63 ملم ببرج الكيفان، 41 ملم بباب الزوار، 28 ملم بالرويبة و23 ملم بعين طاية.

  • طرقات مغلقة بسبب الأمطار بالبليدة

وعبر ولاية البليدة سجلت مديرية الحماية المدنية عدة تدخلات على إثر الأمطار المتساقطة. وذكرت ذات المصالح في بيان لها أن الأمطار تسببت في غلق عدة طرق ولائية ووطنية بسبب ارتفاع منسوب المياه بكل من: الطريق الوطني رقم 01 الرابط بين شفة والمدية بالقرب من النفق الأول، والطريق الوطني رقم 118 الرابط مفتاح وخميس الخشنة، وكذا الطريق الولائي رقم 46 الرابط بين مفتاح والجبابرة، وأيضا الطريق الوطني رقم 01 الرابط بين بني مراد والطريق السيار. كما تدخلت وحدات الحماية المدنية من أجل امتصاص المياه من 20 موقعا سكنيا بالولاية، منها 12 مسكنا بالحي الهش بمفتاح، و3 عمارات بحي بوسدرات، ومتوسطة بحي 200 مسكن، بالإضافة إلى منزلين بحي صحراوي وسي زروق بالأربعاء، وامتصاص المياه من داخل مركز بريد الجزائر بحي الدرويش ببوعرفة.

  • أحياء تغرق بأكملها في الشلف

وبولاية الشلف تدخلت مصالح الحماية المدنية لتصريف وامتصاص مياه الأمطار المتساقطة بعد تسربها إلى عدد من المساكن والتجمعات السكنية في كل من دوار الخواثر ببلدية الصبحة ومنطقة لكابير ببلدية أولاد فارس، فضلا عن المناطق 4، 10، 11 إلى جانب منطقة الحباير ببلدية الشطية. وحسب بيان المديرية الولائية للحماية المدنية، فإن الوحدة المتدخلة على مستوى حي الخواثر ببلدية الصبحة قد تمكنت من إنقاذ عائلتين بعد تسرب مياه إحدى الشعاب المجاورة إليها، فيما تعمل عدة وحدات حاليا على امتصاص المياه المتسربة بسبب انسداد البالوعات إلى التجمعات السكنية في كل من بلديات أولاد فارس والشطية.

  • مواطنون محاصرون بسطيف

هذا وقد سجلت مصالح الحماية المدنية لولاية سطيف جراء الأمطار الغزيرة والمصحوبة بحبات البرد والرعود، 20 عملية إنقاذ ومساعدة للمواطنين.

وتدخلت وحدة الحماية المدنية بدوار بئر لبيض لإجلاء عائلة تتكون من 11 فردا من منزلهم الذي غمرته مياه الأمطار، وإنقاذ 8 أشخاص حاصرتهم المياه على متن سيارتين وشاحنتين بالطريق الوطني رقم 75 بمشتة لمزارة ودوار لخلف بلدية قجال، وكذا إنقاذ 12 رأسا من البقر و28 رأسا من الأغنام بدوار فيض الحسنة بعد أن غمرت مياه الأمطار المرآب. كما تدخلت الحماية المدنية بالعلمة لأجل تسهيل حركة المرور بفتح الطريق أمام جريان مياه الأمطار وامتصاصها، بكل من قرية جرمان، حي صخري، دوار السوق، الرحامنة (الڤلتة الزرقاء). كما قامت بعمليات أخرى لأجل مساعدة المواطنين بسبب مخلفات هذه الأمطار بكل من حي تينار وحي عين الرمان (أولاد صابر)، ودوار رمادة ومشتة سبعة عيون (عين الحجر) ومشتة لحمادشة (عين آزال)، دوار العلوة (الدهامشة)، حي كونديان (بني ورثلان)، مشتة بئر الجديد (التلة).

  • اضطراب جوي آخر مرتقب ومخاوف من تكرار سيناريو ليلة السبت

هذا وقد برزت مخاوف حقيقية من استمرار "كوارث" الاضطرابات الجوية خلال فصل الخريف هذا، خاصة أن التوقعات للأيام المقبلة تشير إلى قدوم اضطراب جوي نشيط الفعالية محمل بأمطار معتبرة بداية من أمسية يوم الخميس. وحسب الديوان الوطني للأرصاد الجوية، فإن الأجواء المرتقبة خلال الأيام المقبلة ستكون صافية يومي الإثنين والثلاثاء على الولايات الشمالية، غير أنه سيكون هناك اضطراب جوي محمّل بهواء بارد قادم من أوروبا نحو البحر الأبيض المتوسط بداية من أمسية الأربعاء إلى الخميس، يؤدي إلى تساقط أمطار رعدية معتبرة على الولايات الساحلية الشرقية والوسطى، وهو ما يستدعي أخذ الحيطة والحذر من المواطنين حتى لا تتكرر نفس مشاهد ليلة أمس الأول.

  • شلغوم: من الآن فصاعدا علينا التأقلم مع الفيضانات والكوارث الطبيعية

وعن الليلة التي عاشها الجزائريون أمس الأول والكوارث التي تسببت فيها الأمطار المتساقطة، قال رئيس نادي المخاطر الكبرى، عبد الكريم شلغوم، إن الأجواء المناخية المجنونة، التي عاشها العاصميون وسكان عدد من الولايات ليلة أمس الأول، والتي تسببت في غرق بلديات بأكملها في العاصمة، تعتبر مظهرا من مظاهر التغيرات المناخية المتطرفة التي أصبح يعيشها العالم، مضيفا أنه علينا من الآن فصاعدا توقع مثل هذه الظواهر المتطرفة والعنيفة والتأقلم معها.

وأشار شلغوم أن التغيرات المناخية في العالم تسببت، خلال الـ30 سنة المنصرمة، في تزايد عدد الكوارث الطبيعية بأربعة أضعاف تقريبا، وقد خلفت خسائر بشرية ومادية كبيرة، معتبرا أن سيناريو الكوارث وفي مقدمتها الفيضانات مرشح للتكرار، وربما بدرجات أشد، مضيفا أن أسوأ ما في الأمر أنه علميا لا يمكننا التنبؤ بهذه الظواهر بدقة، حيث كان متوقعا أن تصل كمية الأمطار المتساقطة ليلة أمس الأول 40 ملم، غير أن الكمية الفعلية التي تساقطت عبر عدد من بلديات العاصمة وصلت لـ130 ملم، وهو ما يكشف أن أجهزة القياس والتنبؤ ليست دائما دقيقة ولا يمكنها التنبؤ فعليا بمثل هذه الكوارث.

  • بوداود: فيضانات العاصمة لم تحدث بسبب "انسداد البالوعات"

من جانب آخر، فقد برأ خبراء هذه المرة السلطات المحلية من "تهمة" سوء التسيير والإهمال و"البريكولاج"، حيث اعتبر الخبير في العمران عبد الحميد بوداود، في تصريح لـ"الرائد"، أن الفيضانات التي عرفتها عدد من الولايات ليلة أمس الأول لم تكن بسبب انسداد البالوعات، وقد رأينا منذ بداية شهر أوت حملة واسعة لتنقيتها، مشيرا في تصريح لـ"الرائد" أن سبب الفيضانات هو كمية الأمطار الكبيرة التي تساقطت في فترة وجيزة وضعف أو غياب بنية تحتية من المجاري والبالوعات يمكنها أن تتحمل كمية الأمطار هذه، مشيرا أن البنية التحتية لمجاري المياه والبالوعات في أغلب أحياء العاصمة تعود إلى فترة الاستعمار ولم تعرف أي تجديد، لذلك فهي غير قادرة على استيعاب التساقطات المطرية المعتبرة، وهو ما يؤدي إلى الفيضانات في كل مرة تتساقط الأمطار بهذه الشدة، مضيفا أن هذه السنة وعكس سنوات ماضية فإن السلطات المحلية حرصت على تنقية البالوعات مسبقا، لكن رغم ذلك فإن الكوارث وقعت.

من جانب آخر، قال بوداود إن ارتفاع الخسائر المادية وتسجيل ضحايا جراء الفيضانات يقف وراءها العامل البشري، مشيرا أن البناء على ضفاف الأودية وفي المنحدرات وعدم احترام القوانين المعمول بها يثقل الحصيلة، حيث كشف ذات الخبير أن حوالي 60 بالمائة من الفيضانات التي عرفتها الجزائر في المناطق الحضرية، سببها الفوضى في العمران والنزوح إلى مناطق الأودية والبناء عليها، مضيفا أن الاستمرار في هذه الممارسات قد يرفع حصيلة الخسائر البشرية خلال الفيضانات في السنوات المقبلة.

من نفس القسم الوطن