دولي
"إف 35" وخيبة الأمل الإماراتيّة
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 02 سبتمبر 2020
بعد رفض حكومة الاحتلال الإسرائيلي بيع طائرات أميركية من طراز إف 35 للإمارات، هل انتابت حكّامَها خفقةُ ندم؟ وبعد إعلان البحرين التزامها المبادرة العربية، هل خطر ببالهم أنهم ربما تسرّعوا؟
حدثان كبَحَا الآمال الإماراتيّة بريادةٍ ما، ولا يزال مسارها التطبيعي التحالُفي مع دولة الاحتلال في أوّله: الأداء الخَذول لرئيس حكومة الاحتلال، نتنياهو، إزاء الرغبة الإماراتيّة، بشراء طائرات إف 35 الأميركيّة. وتأكيد ملك البحرين، حمد بن عيسى، لوزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، التزام بلاده مبادرة السلام العربية التي تنصّ على قيام دولة فلسطينية مستقلّة مقابل تطبيع العلاقات، بالتساوق مع الموقف السعودي الذي أكّد التزام المبادرة، من دون أن نسمع انتقاداً سعوديّاً لخَرْق الإمارات تلك المبادرة التي هي في الأصل سعودية (!)، ومن دون أن نسمع، أيضاً، موقفاً ناقداً من جامعة الدول العربية نفسها التي تُفترَض رعايتها وتبنّيها تلك المبادرة، كموقفٍ عربي يحظى بالإجماع (!)
اللقطة الأكثر لمعاناً في الإحراج، كانت في مقادير الاستهانة التي أبداها مسؤولون في دولة الاحتلال بالسلام الإماراتي، وأنه لا يقوى على المصالح والاعتبارات الأمنيّة الإسرائيليّة؛ فقد أعلن نتنياهو أن "اتفاق السلام مع الإمارات لا يتضمّن أيَّ بنود في شأن شراء الأخيرة طائرة الشبح المقاتلة، وأوضحت الولايات المتحدة لإسرائيل أنها ستحمي دائماً التفوّق النوعيّ لإسرائيل"، فليست الإمارات أفضل عند دولة الاحتلال من دولتين عربيتين وقّعتا معها معاهدتي سلام، بعد حروب، مصر والأردن، فقادة الاحتلال دأبوا، تاريخيّاً، على احتفاظهم بالتفوّق العسكريّ النوعيّ، وعلى منْع أيّ اقتراب منه، بالاتفاق مع الولايات المتحدة، فبعد حرب عام 1973، تعهّد الكونغرس الأميركي بالحفاظ على "التفوُّق العسكريّ النوعي" الإسرائيلي في الشرق الأوسط، بالوقوف على موقف إسرائيل، قبل بيع أسلحة متطوّرة لدول المنطقة.
لم ينجح بومبيو، في توسيع دائرة التطبيع مع دولة الاحتلال، أقلّه في هذه المرحلة، وهي التي يحتاجها رئيسه ترامب
إسرائيل هي الوحيدة من دول الشرق الأوسط التي تملك طائرة إف 35، ولم تنجح الإمارات، حتى اللحظة على الأقل، في تعزيز آمالها بأن تكون الثانية، ومن يعوق أملَها في هذا الامتياز حكومة نتنياهو التي لا تزال مجاملاتها الوِفاقيّة والتوافقيّة معها طازجة! ولا تملك إسرائيل أن تقفز فوق حقيقتها الاحتلاليّة، ولا أن تتجاهل مخاطر الرفض العربي الشعبي لها، ولممارساتها العدوانيّة، والعنصريّة؛ فلم تأخذ بفكرة تغيّر العالم، أو تغيّر الزمن، والظروف، فلديها منطلقاتها الثابتة التي لا مزاح فيها؛ فهي لا تقدّم علاقات التطبيع، وحتى التحالف، مع الإمارات، على هواجسها الأمنية الدفاعيّة.
وعلى التوازي، لم ينجح وزير الخارجية الأميركية، بومبيو، في بناء الزَّخم، وفي توسيع دائرة التطبيع مع دولة الاحتلال، أقلّه في هذه المرحلة، وهي التي يحتاجها رئيسه، دونالد ترامب، لإدراجها في إنجازاته الانتخابيّة، ولم يصلح السلام الإماراتي الصهيوني لأن يكون نقطة انطلاقٍ لدول عربية سواها.
لا يُتوقَّع أن تتراجع الإمارات عن تطبيعها الكامل مع دولة الاحتلال، حتى لو أخفقت في إبرام صفقة الطائرات، ولو أنها ألغت لقاءً كان مزمعاً مع مسؤولين في دولة الاحتلال، على ما تردّد، بعد نفي نتنياهو تضمُّن الاتفاق مع الإمارات الموافقة على بيعها الطائرة الأميركية المقاتلة، من دون أن يؤثر ذلك على الموقف الاحتلالي وعلى التعاون في مجال الدفاع بينهما، فثمّة دوافع أوسع وأعمق، ولكن هذا الموقف الذي ينمّ عن تصوّرات إسرائيل تُجاه العرب، حتى الراغبين منهم في صداقتها، قد يُعَقْلِن قليلاً ذلك الاندفاع الذي قارَب حدود التَّباهي.
لا يُتوقَّع أن تتراجع الإمارات عن تطبيعها لو أخفقت في إبرام صفقة الطائرات
هذه الحادثة مجرّد بادئة للقياس على أن قادة الاحتلال يقدّمون، بلا أدنى تردّد، الاعتبارات الأمنيّة، وحتى الحزبيّة الانتخابيّة، على أيّ اعتبارات، ولا سيما مع دول عربية، أفضت بكلِّ ما لديها من أوراق، وسواء كان الذي في الحُكم نتنياهو، أو غيره؛ إذ تشير تقارير أوليّة إلى موافقة نتنياهو على بيع أبوظبي "إف 35"، بعد أن أعلنت الإمارات خططها لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، لكنه عاد ونفى حدوثَ هذا الاتفاق نفياً مطلقاً. وجاء تنصّل نتنياهو من موافقته على شراء الإمارات للطائرة، بعد إعلان وزير الدفاع في حكومته، من حزب أزرق أبيض، بيني غانتس، أنه لم يُبلَغ بتفاصيل اتفاق التطبيع، بما في ذلك بيع الولايات المتحدة الطائرة، إلا بعد الاتفاق عليها، محذِّراً من أن إنفاذ هذه الصفقة ليس من الجيدّ لإسرائيل. وذلك كله لأن نتنياهو يدرك حساسيّة هذا التحوّل، على مستقبله السياسي، ويمسّ ركيزة استراتيجيّة ليست خاصة بحزب، أو مسؤول، ولكنها واسعة الانتشار في الدولة ومؤسساتها، ولا سيما الدفاعيّة الأمنيّة، وفي الشعب.
وحتى لو حصل، وذلّلت الصفقة المُزمَعة الصِّعاب، فإنها لا تنفكّ تضمر دلالاتٍ عن العقيدة الأمنيّة الاحتلاليّة، وعن نظرتها إلى النُّظُم السياسيّة، في البلاد العربية، والمنطقة، وعن تصوُّراتها لأيّ سلام تُبرمه معها، وفق معيار تمثيلها شعوبها، أو تعبيرها عن آمالها وأهدافها، وهي تالياً، تبني سياساتها الفعليّة ليس على معاهدات السلام معها، بقدر ما تستمرّ في البناء الدفاعي المتفوّق، وفي إجهاض أيّ قوةٍ مهدِّدة، ولو مستقبلاً، ولو كانت في مهدها.