دولي
مدينة صناعية استيطانية جديدة تنهب آلاف الدونمات شمال الضفة الغربية
ستكون واحدة من نحو 25 منطقة صناعية يقيمها الاحتلال بالضفة والقدس
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 29 أوت 2020
في سياق ضمّ الأراضي الصامت الذي تنفذه قوات الاحتلال، جاء إعلان الاحتلال عن مصادرة نحو 800 دونم من أراضي قريتي شوفة وجبارة في محافظة طولكرم شمال الضفة الغربية المحتلة، لصالح إنشاء مدينة استيطانية صناعية، والحقيقة أنّ المساحة المصادرة لإنشاء تلك المدينة الصناعية أضعاف الرقم المذكور، وهي ستمتدّ من أراضي مدينة الطيبة في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948 إلى أطراف مدينة طولكرم بالضفة الغربية، ما يعني أنها تهدد في الواقع بنهب آلاف الدونمات.
المنطقة الاستيطانية الثانية في طولكرم
في الحادي عشر من نوفمبر/تشرين الثاني عام 2019، صدر القرار العسكري الإسرائيلي بالاستيلاء على 788 دونماً من أراضي قريتي شوفة وجبارة التابعتين لمحافظة طولكرم، لصالح إنشاء منطقة صناعية استيطانية. الغاية وفق المخططات التي نشرها موقع إلكتروني يتبع لإدارة التخطيط الإسرائيلية، تتمثّل في إقامة منطقة صناعية سيتم خلالها العمل على تغيير تخصيص الأراضي المُصادرة من منطقة زراعية وطريق معتمدة، إلى مناطق صناعية وتجارية ومبانٍ ومؤسسات عامة ومنطقة مفتوحة ومواصلات وطرق ومواقف سيارات.
وستمتدّ المنطقة الصناعية الاستيطانية من داخل مدينة الطيبة بالمناطق المحتلة عام 1948، حتى مستوطنة "إيفني حيفتس" المقامة على أراضي طولكرم، حيث ستشمل مناطق تجارية ونحو 130 مصنعاً.
وإذا ما تمّ إنشاء المنطقة الصناعية فعلا، فستكون هذه المدينة الصناعية الاستيطانية الثانية التي تقام على أراضي طولكرم، حيث أقيمت قبل سنوات طويلة منطقة "نيتساني شالوم" المعروفة بـ"مصانع جيشوري" الصناعية غرب المدينة، وتضم عدداً من المصانع، التي تُصرّف مياهها الملوثة إلى داخل حدود المدينة.
كما أنّ المدينة الصناعية الجديدة في حال إقامتها، ستكون واحدة من نحو 25 منطقة صناعية يقيمها الاحتلال بالضفة الغربية والقدس، وتضم مئات المنشآت الصناعية التي تنتج غالبيتها مواد تحوي مخلفات ضارة بيئياً وصحياً.
سرقة آلاف الدونمات
في السياق، يكشف مدير مكتب "مركز أبحاث الأراضي"، محمود الصيفي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ المساحة المقرر الاستيلاء عليها تبلغ 788 دونماً؛ 90 في المائة منها من قرية شوفة، والباقي من قرية جبارة، وتقع جميعها في المناطق المصنفة (ج) وفق اتفاق أوسلو، وهي محاذية للخط الأخضر (الحدود الفاصلة بين الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 والأراضي المحتلة عام 1967)، لكن الاحتلال يدعي أنها "أراضي دولة".
وحسب قانون الأراضي العثماني المطبق في محاكم الاحتلال، "يجب أن يتم إثبات أن أهل الأرض التي أُعلن أنها أراضي دولة، لم ينقطعوا عن استخدامها لمدة 3 سنوات متواصلة، وتم زرعها وفلاحتها حتى لا تتحوّل إلى أراضٍ متروكة ثمّ إلى أراضي دولة".
ويفنّد الصيفي ادعاء الاحتلال، بتأكيده أنّ الأراضي المستهدفة مسجّلة بأسماء عائلات في القريتين، إذ إنّ غالبيتها مزروعة بأشجار الزيتون والتين واللوز وغيرها، ما يعني أنها معمورة بشكل دائم.
ووفق الصيفي، فإنّ الخطورة تكمن في أنّ الاحتلال يخفي نواياه الحقيقية، إذ إنه يخطط لأن يصادر على مراحل مستقبلاً، أكثر من 1500 دونم إضافي من القرى والبلدات القريبة من شوفة وجبارة، "ما يعني أننا أمام كارثة وطنية كبرى"، وفق تعبيره.
يخطط الاحتلال لأن يصادر على مراحل مستقبلاً، أكثر من 1500 دونم إضافي
في قرية شوفة حيث المساحة الأكبر المنوي مصادرتها، تتكشف المصائب التي تنتظر الفلسطينيين هناك؛ فجزء من تلك الأراضي المهددة بالمصادرة لإقامة المنطقة الصناعية ملاصق لبيوتهم، ما يعني أنّ قاطني هذه البيوت سيواجهون التلوث الناتج عن المصانع، كما أنّ مياه الشرب والمياه الجوفية ستكون مهددة جراء المياه العادمة الناتجة عن تلك المنشآت.
ويوكّد رئيس مجلس قروي شوفة، فوزات الدروبي، لـ"العربي الجديد"، أنّ "إنشاء المنطقة الصناعية سيقضي على القرية تماماً"، ويقول: "الاستيطان يلتف حول قرية شوفة من جميع الجهات، وتخنقها الشوارع الالتفافية وأبراج المراقبة والاتصالات التابعة للشركات الإسرائيلية، في حين تتوسع مستوطنة أفني حيفتس وتقضم يومياً المزيد من الأراضي، ويشنّ مستوطنوها اعتداءات دائمة على المزارعين ويقطعون الأشجار ويوجهون مياههم الملوثة تجاه أراضينا المزروعة، لذا فإنّ إقامة المنطقة الصناعية "تعني إطلاق رصاصة الرحمة علينا".
وتبلغ مساحة شوفة نحو 11.500 دونم، وقد تمَّت مصادرة ما مساحته 600 دونم منها لإقامة مستوطنة "أفني حيفتس" منتصف الثمانينيات، و500 دونم لشقّ شارع استيطاني من أراضي القرية.
وفي محاولة لمواجهة أي خطوات للفلسطينيين في أرضهم، فإنّ الاحتلال يرسل إخطارات "منع بناء" في المنطقة المهددة بالمصادرة، كما سبق أن هدم بعض المنازل على مدخل قرية شوفة، إلى جانب جرف مناطق زراعية، وذلك من أجل خلق واقع جديد على الأرض يصعب تغييره مستقبلاً.
ويوضح الدروبي أنّ المتضررين تقدموا باعتراضات ضدّ إقامة مشروع المنطقة الصناعية الاستيطانية لدى محاكم الاحتلال من خلال "مركز القدس للمساعدة القانونية"، مضيفاً: "لكننا ندرك أنّ القضاء الإسرائيلي شريك في الجريمة، هم سيماطلون حتى تنتهي الجرافات من عملها، ومع هذا سنطرق كل الأبواب لدرء هذا الشر المحدق بنا". وبالفعل، فقد حصل "مركز القدس للمساعدة القانونية" على توكيلات من المجالس القروية المتضررة بصفتهم الاعتبارية، إلى جانب توكيلات من معظم أصحاب الأراضي.
أما قرية جبارة، فإنّ 90 في المائة من أراضيها هي بالأصل مسجلة في دائرة الأراضي بمحافظة طولكرم ضمن حوض رقم 2 من أراضي قرية الراس المجاورة، وبالتالي فهي تابعة من حيث السكان والأراضي إلى قرية الراس المجاورة، وما تبقى من أراض (10 في المائة)، مسجلة باسم أحواض قرية فرعون في محافظة طولكرم.
من هنا، برزت معاناة سكان قرية جبارة لناحية عدم اعتراف سلطات الاحتلال الإسرائيلي إلى زمن ليس ببعيد (حتى عام 2006) بها كقرية مستقلة.
وتتركز معاناة أهالي قرية جبارة في الأساس، بتشييد الاحتلال لجدار الفصل العنصري في محيطها عام 2002 من ثلاث جهات، ما عزلها بشكل كامل عن محيطها، ليأتي قرار المصادرة لإقامة المنطقة الصناعية الاستيطانية مشكلاً ضربة قاصمة للقرية الصغيرة، خصوصاً أنّ المنطقة المستهدفة تضم مباني سكنية قد أصبحت مهددة بالهدم والإزالة. وكانت جرافات الاحتلال هدمت منزلاً في قرية جبارة في يناير/كانون الثاني من العام الحالي، بالإضافة إلى هدم منزل قيد الإنشاء في منتصف أبريل/نيسان الماضي، ووزعت إخطارات بالهدم لتسعة منازل أخرى.