دولي
الإمارات تبيع ما لا تملك: فلسطين
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 24 أوت 2020
كانت أي أشكال من العلاقة مع إسرائيل مشكلة سياسية وأخلاقية وشعبية بامتياز. كانت الأنظمة التي تقيم صلات أمنية مع إسرائيل تتجنّب ذلك بكل الطرق، وبالطبع كانت إسرائيل تقبل العلاقات الخفية والبعيدة عن الأنظار، إذ لم تكن لتطمح بأكثر من علاقات من هذه النوعية. تغيّر ذلك، بعد كارثة 1967، حيث انتهت الحرب الحقيقية بين العرب وإسرائيل، وما حصل لاحقاً كانت حروباً مدروسة، ولصالح الطرفين، ولم تكن لفائدة العرب، بل لصالح الحكام والحركات التي تشارك في تلك الحروب؛ تُستثنى الحركات الشعبية التي لم تُسلِّم بوجود إسرائيل، وبأن فلسطين جزء من العالم العربي، ولا بد للفلسطينيين من أن يقيموا دولتهم فيها.
لم تستطع اتفاقيات كامب ديفيد، وأوسلو، ووادي عربة، أن تغير من ضعف العلاقة بين العرب والإسرائيليين، وظلّت الاتفاقيات تخص الأنظمة بكل بساطة. وهناك شريحة عربية خاصة دخلت في تلك اللعبة الإجرامية بحق الفلسطينيين والعرب. أصبحت أحوال العرب بعد تلك الاتفاقيات أسوأ وبما لا يقاس، ولكن إسرائيل عزّزت من وجودها الإقليمي والعالمي، وهي بالأصل ليست معنيةً بالمنطقة إلا بوصفها سوقاً ومنطقة موارد وشعوباً مفككة، ولا تمتلك أي مشروع تاريخي لنهوضها وضد إسرائيل وحدود مستقرة. تلك الاتفاقيات، وقمعية الأنظمة، تؤمن ذلك لإسرائيل.
هناك اتفاقيات سابقة بين الإمارات وإسرائيل، وتخص شؤوناً أمنية وعسكرية واقتصادية، ولكنها الآن تتحول إلى تحالف كامل؛ الإمارات التي تجد نفسها عاجزة من ناحية، وراغبة في أن تقود العالم العربي، دفعها طموحها ذاك نحو التحالف، فهي فاشلة في اليمن وفي ليبيا، وليست مصر والبحرين من الدول التي تُذكر، وحتى السعودية ما زال نظامها غير مستقر فيها لولي العهد. وعدا ذلك، هناك الحاجة الأميركية لذلك التحالف، حيث سيرفع من رصيد الفاشل رئيس الولايات المتحدة، ترامب، والذي يتعزّز فشله على أكثر من صعيد. تريد الإمارات دولة تستند إليها، ومقطوعة الصلة بالمنطقة كما يبدو، وإلا كان عليها الاختيار مثلاً بين تركيا أو إيران مثلاً. أما اختيار إسرائيل، فله دلالة عميقة، في أن حكام الإمارات لا يفهمون في السياسة شيئاً، ويبيعون شيئاً لا يمتلكونه، أي فلسطين، ويسعون إلى حلمٍ، قد لا يتحقق لهم من أصله، أي مواجهة قوية مع إيران. وبالطبع لا يوجد صاحٍ يرى فائدة واحدة من هذا التحالف لصالح الفلسطينيين. حتى أكذوبة إيقاف إسرائيل خطتها ضم أراضي في الضفة الغربية كذبها رئيس الحكومة، نتنياهو، بأن الأمر ليس إيقافاً بل يتم على مراحل.
لا تملك الإمارات لتبرير جريمتها إلا الأكاذيب، بينما ستكون مصلحة إسرائيل كبيرة هناك، حيث سيفتح التحالف لها سوقاً عربية كبيرة، وستقيم علاقات عسكرية وأمنية، تصبح الأساس في أية علاقات عربية أو إقليمية. وبذلك ترهن الإمارات نفسها لتحالفٍ مكروه، وعادة ما كانت العلاقات مع إسرائيل من باب الاضطرار، وليس من بوابة المصالح الحقيقية، ولكن هيهات هيهات. الإمارات قوية ولا شك، والقضية هي أموال النفط، ولا شيء آخر. المشكلة تكمن في رداءة السياسات العامة التي تتبنّاها هذه الدولة، والتي قادتها، ولا سيما بعد فشلها في إقامة صلاتٍ قويةٍ مع أميركا أو روسيا أو الصين، إلى أحضان دولة الأبارتهايد، الدولة الأخيرة، والخارجة عن الشرعية الدولية.
هناك سياسة مضادة للتغير في العالم العربي، قادتها الإمارات منذ بداية الثورات العربية، والمشكلة أن نظام الإمارات لا يحوز أية أفضليات ليكون مثالاً للشعوب التي انتصرت فيها الثورات المضادّة، والأنكى أنها لا تقدّم دعماً يسمح بنهوض ما في أية دولة.. لندقّق في البحرين ومصر والسودان! ولنر آثار أفعالها في اليمن، وفي ليبيا، وفي سورية. لا شيء إلا الخراب والدمار والمزيد من التفكك المجتمعي وتعميق الحروب الأهلية. لا تملك الإمارات سياسة خليجية، تساهم في النهوض بالاتحاد الخليجي. ويعدّ العداء لقطر من أبشع أشكال الخصومة، ويشلّ قدرات الخليج والعرب عامة. وعلى الرغم من قوة علاقة دول الخليج بالمؤسسات العالمية، والتي تستطيع إيجاد حل ما لها، ما تزال القضية مفتوحة، والهدف تركيع قطر بكل معنى الكلمة، وكأن الإمارات والسعودية دولتان عظيمتان، لتفرضا ذلك الهدف السامي!
من التسليم بمكان أن أحوال العرب السيئة، وفي كل دولهم، هو ما سمح للإمارات بكل هذه الجرأة، وأقصد منذ قيادتها الثورات المضادّة، وانتهاءً بالتحالف الذي سيعلن بعد أسابيع قليلة. الآن، حدّدت الإمارات موقفها، فهي مع إسرائيل وضد كل دول المنطقة، وضد العرب وفلسطين. هكذا تُقرأ السياسات، وهي تُحضِّر نفسها لحربٍ طويلةٍ ضد الدول المذكورة. العرب معنيون برؤية المشهد بدقة، فالتحالف الجديد ليس كبقية الاتفاقيات مع إسرائيل، حيث ظلت اتفاقيات منبوذةً مجتمعياً ومرفوضة حتى من شخصياتٍ رئيسيةٍ في هذه الدولة أو تلك. التحالف مع إسرائيل، كما يبدو، يحوز على موافقة من شخصيات أساسية في الإمارات، وهناك الفئات المرتبطة بالنظام، حيث تعلن تأييدها وولاءها له، وإن كان يعوزها سبب واحد لتحقيق مصالح العرب منه.
ليس العرب وشعوب المنطقة في وارد تأييد تحالفٍ كهذا، إذ هناك وعي يؤكد أن أحوال العرب السيئة، هي كذلك، بسبب علاقة الأنظمة بإسرائيل، وأن الأخيرة، لو شاءت أن تنصف العرب لما استمرّت بضم الضفة وغور الأردن والقدس والجولان والأقصى. شعوب المنطقة معنيون بتشكيل أطر وتجمعات وتحالفات مضادّة لكل ما تراكم من اتفاقياتٍ مع إسرائيل ومنذ الستينيات، ورفض التحالف مع الإمارات، وأن تستند هذه الأطر إلى رؤى، تنطلق من مشروع الحداثة العربي، والمشاركة الشعبية في تفاصيل ذلك المشروع.
لا حل آخر للعرب، وقد أصبحت أسوأ أنظمتهم تذلّهم في تحالفاتٍ، أقل ما يقال فيها إنها رخيصة، وليست بذات فائدة للعرب وللفلسطينيين، إن لم نقل، ستكون ضد مصالحهم، والأسوأ الذي لم نفكر فيه بعد أن يكون ذلك التحالف ضد العرب والفلسطينيين.