دولي

صفقة الضم تعيد التموضع والمقاومة والقوى تحقق مكاسب (1)

لنفهم سياق الضم وسرقة الضفة الغربية.. تتحدد المعركة مع الصهيونية ليس انحصارا في أرض تسمى فلسطين بل هي معركة لها تأثير جيوبوليتكي على المنطقة والأمة، فالصهيونية لا تتلخص في كيان، بل هي مشروع ووباء يسري في جسم الأمة وأرضها وأنظمتها العربية الخانعة المطبعة ويسري في قوى غربية وأجنبية عملاقة. 

إذا كان مفهوم المعركة ضد المشروع الصهيوني هو مفهوم أعمق وأشمل لا تحصره أرض ولا مواجهة أحادية مع شعب فلسطيني، فإن الصهيونية تسعى جاهدة قبل "كورونا" وبعد "كورونا" إلى ضرب أطراف الأمة وشعوبها، وتقسيم المقسم، وإضعاف الحركات والمؤسسات الفاعلة في الأمة، وطمس هوية الأمة، وتصعد التطبيع والاختراق، كل ذلك تقويضا لعناصر التشويش في الأمة تمهيدا لتنزيل صفقة القرن دون عقبات، علما منهم أن فلسطين لن يستكمل تهويدها دون تمزيق آخر جديد للقصعة مرة أخرى، لإحداث "ثقب" آخر أشد من الانكسار التاريخي الثاني فترة إسقاط الدولة العثمانية التي أدى تمزيقها إلى تسهيل صفقة بلفور لزرع الكيان الصهيوني.  

ولا ننسى أن سايس بيكو في 1917 كانت عملية لتقسيم القصعة وإضعافها بغرض التمهيد لعملية أساس وهي زرع الوباء الصهيوني داخل الأمة، فبداية تخريب العمق يبدأ بتخريب من يحضنه ومن في جوانبه وأطرافه، وقد كانت الأمة وأكناف بيت المقدس أطراف قوة، ومحاضن نصرة ودعم رغم كل التكالبات.

فليس عبثا أن نجد الصهيونية هذه الأيام تسعى إلى اختراق ليبيا وطوائفها وقبائلها، لتأجيج العرقيات بعد انتصارات الشعب الليبي، وليس عبثا أن نجد الصهيونية تعمل جاهدة لاختراق دول المغرب العربي لتمزيق هذا الشق من الأمة الذي بقي صامدا، وليس عبثا أن تؤجج الصهيونية دولا عربية مطبعة ضد الأمة وفلسطين وتصطف مع القوة الفرنسية والجامعة العربية ضد تركيا المناصرة للأمة والقضية الفلسطينية، كل هذا الاستهداف للشعوب والثورات هو تصفية للأمة للتعبيد لطريق تصفية أكبر مقوم، وهو بيت المقدس والمقاومة، من بوابة صفقة القرن، لكن الموازين في الأرض اليوم ستتغير رغم محاولات التمزيق لتنزيل وعد آخر وصفقة آخرى. فكيف تم استدعاء أخرى؟

في عصرنا وحاضرنا وبعد أكثر من مائة سنة من الزرع البلفوري، نجح بلفور في الزرع، لكنه فشل في التصفية الشاملة، بل وزادت قوة من يواجه التصفية، وظهرت موازين قوة أبطلت صفقة بلفور وغايتها التصفوية لضرب عمق الأمة وشعوبها بزرع هذا الكيان، فتصاعدت قوة هذه الأرض المقدسة ومقاومتها، وتصاعدت معها قوة الشعوب والأمل للتحرر للانتقال إلى مرحلة أخيرة وهي التحرر ممن صنع الديكتاتوريات التي همشت الشعوب.

أمام هذا التصاعد في قوى الأمة وقوة الشعب الفلسطيني ومقاومته التي قوضت من مشروع بلفور سيضطر المشروع الصليبي الصهيوني والعربي المطبع إلى استدعاء صفقة أخرى وهي صفقة القرن عساها تنهي المسألة من خلال سياسة التصفية الشالمة..لكن ماذا حدث وكيف قاموا بتنزيل الصفقة في مرحلتين؟

المرحلة الأولى.. التمهيد للصفقة:

في المرحلة الأولى من الصفقة وهي قبل كورونا كانت مرحلة التمهيد، وتميزت بمحددين:

- المحدد الأول :محدد التصفية لمقومات الأمة التي سماها نتياهو "عقبات أمام التنزيل" وهي الشعوب وقواها الحية، والتي لا زالت تناصر القضية وتستنفر ضد الاحتلال، فقامت الروح الصهيونية بإخراج أوراق كأمريكا بشكل متصاعد وأخرجت أنظمة عربية مستبدة من جحورها وقصورها، لضرب مقوم العلماء ومقوم الشعوب العربية والإسلامية، وحصار مقوم دول مناصرة كتركيا وقطر، واستهداف مقوم مؤسسات وجمعيات ومنظمات مناصرة للقضية الفلسطينية، وقد فشلت الصفقة والتكالب الاستكباري في التصفية الكاملة لمقومات الأمة والشعوب، ونجحت في جزء من الاستهداف التصفوي..

- المحدد الثاني : المحدد الثاني هو تصفية القضية الفلسطينية بتدرج، نجحت صفقة القرن في سياسة التصريحات والإعلانات الرسمية رفقة أمريكا بتهويد فلسطين والقدس، كالإعلان عن "القدس عاصمة اسرائيل" والإعلان عن قانون القومية، والإعلان عن هضبة جولان يهودية إسرائلية، ثم جاء الإعلان الرابع الرسمي قبل حدث كورونا من ترامب عن صفقة القرن وإخراج بنودها وخارطتها، وأعقب ذلك تصريحات من دول عربية مبطنة وبعضها يتماشى مع القرار الأمريكي.

مقابل ذلك وفي هذه المرحلة الأولى من تنزيل صفقة القرن، كانت المواجهة شديدة وكانت غزة سباقة للخروج للرفض وإرباك الصفقة أو زعزعة حركتها، لفقه رجالها بخطورة المرحلة، وأعقب ذلك غضب في الشارع العربي الإسلامي، ونصرة شعبية كبيرة، فضلا عن مناهضة من فضلاء الغرب والمنظمات الدولية والقانونية، لكن المعركة لم تنته بين الطرفين.

المرحلة الثانية.. مرحلة التفعيل:

هي مرحلة التفعيل وربح مربعات جديدة في الصفقة تزامنا مع انشغال العالم بالوباء، هذه المرحلة جاءت تزامنا مع حدث كورونا وبعدها، ونظرا لتغير مرتقب للأحداث الدولية والإقليمية وتسارعها، ونظرا لتخوفات الكيان من تضييع الفرصة (ربما بسبب فشل مستقبلي لنتياهو في الانتخابات وهو المعول عليه)، ونظرا لسقوط هيبة القوة الصهيونية وتقزم حجمها أمام قوة المقاومة وأربعين دقيقة وغزة، فإن الكيان الإسرائيلي يسعى إلى إعادة حجمه لطمأنة المستوطن بمستقبل "دولة إسرائيل" عن طريق " تنزيل المرحلة الثانية من الصفقة"، من خلال تفعيل بند مهم من الصفقة دون إعلانات هذه المرة، وهو ضم الضفة الغربية أي سرقتها، وستكون هذه هي المحطة الرسمية الأولى في التنزيل الفعلي المادي لصفقة القرن بعد محطة الإعلانات النصية الرسمية الصهيونية الأمريكية.

هي مرحلة ثانية تسمى "مرحلة التفعيل" بعد المرحلة الأولى وهي "مرحلة التمهيد" وستكون المرحلة الثانية الأعنف وأشد من مرحلة الإعلانات وسياسة " جز العشب " وتصفية أكناف فلسطين وأطراف ومقومات النصرة في الأمة. 

وإذا كان التفعيل بهذا الشكل المتصاعد  في مشروع الضم، فإن مواجهة هذه المرحلة من الصفقة لن تمر بالمستوى الأول في المرحلة الأولى التي عرفت فقط تحركا في غزة في مسيرات العودة وتحركات هنا وهناك في مسيرات في دول عربية. 

مرحلة الاصطدام:

هذه المرحلة الثانية ستسمى "مرحلة الاصطدام المباشر بين قوتين"  لوعي الشعب الفلسطيني والمقاومة وقوى الأمة أن "عملية الضم" هي مرحلة الضرر الكبير، والتصفية الفعلية الجماعية.

وربما في المرحلة الأولى من الصفقة، استراتجيا كان الرد الفعلي من المقاومة والقوى الشعبية الفلسطينية ردا متدرجا في مرحلة التمهيد، لأن الإعلان هو نص ولا ينبغي إخراج فيه كل الأوراق واستنزاف المقاومة والشعب الفلسطيني، لكن حين يصل العلو الصهيوني مداه، فذاك الذي تهابه أطراف في المعارضة الإسرائيلية ويسمونه "الصمت الرهيب" وهو ما تخشاه أيضا الأنظمة العربية المستبدة المطبعة التي تخاف من تحرك في الشارع العربي الإسلامي وتغير في موقف القوى الفلسطينية نحو التوحد الجماعي.

لماذا تعد هذه المرحلة "مرحلة الضم وتفعيل الصفقة" أشد على المشروع الصهيوني وأرباب صفقة القرن وما هي المعالم الأربعة لإرباك مستقبلي لهذا التنزيل ولهذا الضم للضفة؟ 

... يتبع

من نفس القسم دولي