دولي

الإمارات وإسرائيل .. أبعد من كورونا

أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الخميس الماضي، عن توقيع تفاهماتٍ مع الإمارات للتعاون المشترك في مواجهة جائحة كورونا. ووضع تلك التفاهمات في سياق سياسي، تحدّث فيه عن مصالح إسرائيل، بما في ذلك خطة ضم أراض في الضفة الغربية، وحتى في سياق عسكري متغطرس، خصوصا أن كلامه جاء على هامش مشاركته في حفل تخريج ضباط لسلاح الجو، زاعماً أن قوة إسرائيل تردع أعداءها وتجذب أصدقاءها، بينما ردّت وكالة الأنباء الإماراتية ببيان رسمي خجول، ركز على التعاون الإنساني العلمي الصحي في مواجهة جائحة كورونا بين شركات القطاع الخاص في الإمارات ودولة الاحتلال، مع سعي إلى نزع الطابع السياسي الصارخ للملف أو تخفيفه.

بدت كورونا كأنها مجرد ذريعة لإخراج العلاقات، أو بالأحرى التطبيع بين أبوظبي والدولة العبرية إلى العلن. وللتذكير، أرسلت الإمارات طائرات مساعدات طبية إلى إسرائيل، ثم كتب السفير الإماراتي في واشنطن، يوسف العتيبة، مقالاً بالعبرية في صحيفة يديعوت أحرونوت، أبدى فيه استعداد بلاده للتطبيع مع إسرائيل، معدّداً ما اعتبرها تقاطعاتٍ سياسيةً أمنيةً واقتصاديةً وعلمية وتكنولوجية، وهي الأفكار نفسها التي عبر عنها وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش في مشاركته في مؤتمر لمنظمة يهودية أميركية متطرّفة، أي أن الجائحة كانت مجرّد ذريعة أو غطاء لتبرير العلاقات الإماراتية الإسرائيلية وإخراجها إلى العلن.

في هذا الصدد، أي ما يخص كورونا، يمكن الحديث عن نقطتين أساسيتين، الأولى أن الإمارات  نفسها أرسلت مساعدات طبية إلى إسرائيل، بما في ذلك مئات آلاف أجهزة الفحص وآلاف أجهزة التنفس الصناعي، وهي ما عانت دولة الاحتلال نقصاً منها. ومعلوم أن النموذج الإسرائيلي في التعامل مع الجائحة غير ناجح أو جذّاب، وليس فيه ما يبرّر المسارعة الإماراتية إلى توقيع اتفاقات صحية مع تل أبيب سوى الجوهر السياسي التطبيعي، ناهيك عن زيف فكرة التعاطي الإنساني مع دولة استعمارية ارتكبت ولا تزال أبشع الجرائم بحق الشعب الفلسطيني. الثانية أن الإمارات، بعدما أرسلت أسطولا من المساعدات والمستلزمات الطبية إلى إسرائيل بشكل سرّي، أرسلت طائرتي مساعدات إلى الفلسطينيين (30 طناً تقريباً) للتغطية على مساعدتها إسرائيل، ولنقل العلاقة أو خط الشحن الجوي السرّي إلى العلن، خصوصا عبر الطائرة الثانية التي حطت في مطار اللد (بن غوريون) بعلم الإمارات وشعار شركة الاتحاد، وبدت كأنها تدشين لخط طيران رسمي بين البلدين.

قصة كورونا إذن أشبه بقمة جبل الجليد في العلاقات الإماراتية الإسرائيلية. وفي العمق، يمكن الحديث وبالترتيب الزمني الخاص بالشهور الستة الأخيرة فقط، عن مشاركة يوسف العتيبة بلقاء ثلاثي في البيت الأبيض، في ديسمبر/ كانون الأول 2019، جمع مسؤولين إماراتيين وأميركيين وإسرائيليين، لمناقشة جدول أعمال تضمن مواجهة إيران والتنظيمات الإرهابية، مع خلطٍ متعمدٍ بين إيران وأذرعها الإرهابية وتنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية وبين حركة حماس وجماعة الإخوان المسلمين وأحزاب الإسلام السياسي الشرعية، واعتبار العلاقات أو التنسيق  بين أبوظبي وتل أبيب بمثابة حجر الزاوية في السياسة الإقليمية المتبعة التي تدعمها واشنطن.

وقد شاركت الإمارات، عبر العتيبة أيضاً، في الإعلان الرسمي عن "صفقة القرن"، أو ما توصف برؤية ترامب للسلام في البيت الأبيض، في يناير/ كانون الثاني 2020، في تأييد واضح لها، بل ودعت السلطة الفلسطينية إلى العودة إلى التفاوض على أساسها، على الرغم من أنها، أي الرؤية الأميركية المزعومة، تبنت الرواية الصهيونية، وحتى التوراتية، للصراع، وأعطت الحق لإسرائيل بضم ثلث الضفة الغربية وفرض حل أحادي، مدعوم أميركيا، بدون القدس وحق العودة للاجئين، ويترك للفلسطينيين حكما ذاتيا بلديا موسعا بلا سيادة، تحت مسمى دولة أو فلسطين الجديدة، كما نصت الرؤية سيئة الصيت.

كانت الإمارات حاضرة أيضاً في الوساطة التي أدت إلى اجتماع رئيس مجلس السيادة السوداني، الجنرال عبد الفتاح البرهان، ونتنياهو، في أوغندا في فبراير/ شباط الماضي، والتي أطلقت سيرورة التواصل الذي يلامس حتى حد التطبيع. ويمكن الاستنتاج بسهولة أيضاً أن أبوظبي تقف خلف الدعوات التطبيعية من أدواتها وأذرعها في الثورة العربية المضادة، سواء عبر المجلس الانتقالي الانفصالي في اليمن أو المتمرّد والانفصالي أيضاً خليفة حفتر في ليبيا.

لا بد من الانتباه إلى أن التطبيع الإماراتي الذي بات علنياً ورسمياً مع إسرائيل يجري بغض النظر عن حل الصراع في فلسطين على أساس المبادرة العربية، بل ربطه العتيبة في مقال "يديعوت أحرونوت" بإلغاء خطة الضم الإسرائيلية الموسعة، حتى مع بقاء الواقع الراهن  بموازاة دعوته إلى استئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، على أساس صفقة القرن التي أفرغت أي مفاوضاتٍ محتملةٍ من محتواها وجدواها.

وفي تبرير التطبيع مع إسرائيل، يتم الحديث عن مواجهة إيران، وهذا ليس صحيحا، كون الإمارات نفسها تطبع مع طهران، كما مع أحد أذرعها المركزية والعمود الفقري في إمبراطورية الدم والوهم الفارسية، أي نظام بشار الأسد. فيما من أغراض الإمارات الحقيقية من التطبيع معاداة الثورات العربية، وحركات التيار الإسلامي وأحزابه، وحتى تركيا، ومنع قيام دول عربية مدنية ديمقراطية لكل مواطنيها، وجذب إسرائيل وقدراتها السياسية الإعلامية والأمنية إلى جانب الثورات المضادّة، ومحاولات إعادة تحديث أنظمة الاستبداد وإنتاجها، كما الحاصل في مصر وليبيا وسورية واليمن. وثمّة هدف فلسطيني لتطبيع أبوظبي مع تل أبيب لا ينفصل عن سياستها العربية العامة، ويتعلق بابتزاز السلطة الوطنية وإضعافها وفتح ملف خلافة الرئيس محمود عباس، وتعويم أداتها محمد دحلان بصفته النسخة الفلسطينية من خليفة حفتر، وفرضه على الساحة السياسية، وزيادة فرصه للخلافة، أو حتى أي مسؤول آخر، يبدي استعداده للتساوق مع سياساتها، ولا يعترض جدّياً عليها.

في كل الأحوال، مع التطبيع مع إسرائيل والحصول على دعمها وغير ذلك، السياسة الإماراتية محكومة بالفشل عربياً، حتى لو حققت أبوظبي بعض المكاسب الفئوية الضيقة، لعدة أسباب أهمها أنها عاجزة، لأسباب تاريخية وسياسية وجيوسياسية، عن قيادة العالم العربي. ثم لأنه من المستحيل انتصار الثورة المضادة، كما نرى في النموذجين الليبي والسوري وحتى اليمني. السبب الثالث، والذي يكاد يلخص المشهد كله، استحالة إعادة عقارب التاريخ إلى الوراء، وإحياء أنظمة الاستبداد والفساد التي أسقطتها الثورات العربية. وهنا بالضبط أهمية ما يجري في ليبيا وهزيمة مشروع حفتر بكل ما يمثل، وأهمية الصمود الفلسطيني لإسقاط صفقة القرن، وكل من يتساوق معها محلياً وعربياً.

من نفس القسم دولي