دولي
الاحتلال يراهن على ردود عربية ضعيفة على الضم
قد لا يشهد الأول من جويلية أكثر من تقديم مشروع لتنفيذ مخطط الضم
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 27 جوان 2020
تؤكد التقارير المتداولة في اليومين الماضيين، أنه في الوقت الذي يواجه فيه مشروع الضم الإسرائيلي، سواء لأجزاء واسعة من الضفة الغربية أم الاتجاه نحو ضم محدود، جدلاً إسرائيلياً داخلياً وآخر أميركياً، فإن الرسائل التي تبثها التقارير الإسرائيلية الأخيرة، تشير إلى موافقة شبه ضمنية، خصوصاً إذا تمّ الضم على نحو محدود، من قبل دول عربية في الخليج، وردود رافضة بشكل محدود لا تتجاوز الشجب والاستنكار، كما في حالة كل من مصر والأردن، وهو ما ذكرته تقارير إسرائيلية، حيث أكدت أن رئيس الموساد الإسرائيلي يوسي كوهين عاد حاملاً هذه "البشرى" من اتصالات ولقاءات مع كل من العاهل الأردني عبد الله الثاني، ووزير المخابرات المصرية عباس كامل.
فيما يواجه رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو صعوبات في إقناع شريكه في الحكومة بني غانتس بالتخلي عن شرط "الحصول على موافقة أميركية" على المخطط، فضلاً عن التخلي عن الشرط الأميركي بوجوب تحقيق إجماع داخل الحكومة الإسرائيلية، يبدو أن الردود العربية في حال لم تغادر خانة التحذيرات والتمنيات، وفق الخطاب الإماراتي، ستكون آخر ما يعيق حكومة الاحتلال في تنفيذ خطة الضم، سواء بشكل كامل على نحو واسع، بما يوازي 30 في المائة من أراضي الضفة الغربية المحتلة، أم "الاكتفاء" بضمٍّ على مرحلتين، وضمان فرض السيادة الإسرائيلية على كتلة استيطانية واحدة، مع ترشيح وسائل الإعلام الإسرائيلية الكتلة الاستيطانية لمستوطنة "معاليه أدوميم"، كخطوة أولى.
في غضون ذلك، يتضح أن الموعد المعلن لبدء إجراءات الضمّ، وهو الأول من يوليو/ تموز المقبل، الموافق فيه يوم الأربعاء المقبل، قد لا يشهد أكثر من تقديم مشروع لتنفيذ مخطط الضم، خصوصاً أن لجنة ترسيم الحدود الأميركية الإسرائيلية التي أنيطت بها مهمة ترسيم الحدود الشرقية على امتداد 500 كيلومتر، لم تنهِ عملها بعد، ويفترض أن تستأنف أعمالها غداً، الأحد. ويعني هذا أيضاً احتمال أن يواصل البيت الأبيض المماطلة في إعلان موقفه الرسمي من مخطط الضم، لحين الانتهاء من عملية ترسيم الحدود وفق الخريطة الأساسية التي اقترحتها خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
مع ذلك فإن من شأن نتنياهو أن يبادر إلى خطوة فرض السيادة على جزء من المستوطنات، في ما باتت تطلق عليه الصحف الإسرائيلية اعتماداً على تصريحات نُقلت عن غانتس ووزير الخارجية غابي أشكنازي، "خطوة رمزية"، في محاولة للإيهام بتراجع إسرائيلي عن مخطط الضم، سواء استجابة "لدعوات ومواقف دول عربية معتدلة"، أم من باب عدم رغبة نتنياهو في إحراج الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وبالتالي تقديم هذه الخطوة كتنازل إسرائيلي كبير عن "30 في المائة" من أراضي الضفة الغربية التي تمنحها خطة ترامب لدولة الاحتلال، مقابل إقرار إسرائيلي لخطة الرئيس الأميركي.
مع ذلك، أشارت تقارير إسرائيلية إلى أن اعتبارات نتنياهو قد تتغير لجهة تفضيل الخطوة الرسمية بفعل حسابات داخلية، أهمها حقيقة عدم قدرة الاحتلال الإسرائيلي، في حال أدت خطوة ضم واسعة، فعلياً، إلى انهيار السلطة الفلسطينية، على إعادة تولي المسؤولية الكاملة عن إدارة شؤون الأراضي المحتلة، والعودة إلى وضع ما قبل أوسلو (1993) وقبل تشكيل السلطة الفلسطينية، التي باتت تلعب دوراً وظيفياً مهماً في تخفيف أعباء الاحتلال وكلفته.
ومع أن بمقدور نتنياهو، كرئيس حكومة، عدم القبول بتوصيات وتقديرات الجيش الإسرائيلي و"الشاباك"، التي تحذّر من الرد الفلسطيني الشعبي، وشبه الرسمي، ممثلاً بتنظيم حركة "فتح"، وتخشى من "فلتان أمني" ومن انتفاضة فلسطينية ثالثة، إلا أنه لن يكون بمقدوره تجاهل هذه التحذيرات، على الرغم من تقديرات الموساد بأن رد الفعل من مصر والأردن ودول "المحور السني المعتدلة" لن يتجاوز الشجب والاستنكار، ويعني هذا أن نتنياهو قد يمضي نحو عملية جزئية "تحفظ له ماء الوجه، إعلامياً، لكنها تكرس للاحتلال مكاسب جديدة، وضم كتل استيطانية كان مصيرها متروكاً لمفاوضات الحل الدائم".
وفي ظل إعلان الإمارات العربية المتحدة، عن مضيها في "تعاون علمي" مع إسرائيل لمواجهة كورونا، فإن هذا الإعلان يشكل عملياً ضوءاً أخضر لنتنياهو لتنفيذ جزء من مخططه على الأقل من دون أن يغامر "بالمصالح المشتركة" مع دول خليجية، خصوصاً أن الإمارات تعكس في مواقفها التطبيعية مواقف دول خليجية أخرى، على رأسها السعودية والبحرين وسلطنة عمان، فيما تلعب مصر بقيادة عبد الفتاح السيسي، عبر عباس كامل، دور العراب الذي يضغط على حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في قطاع غزة لمنع رد عسكري أو شعبي عنيف ضد مخطط الضم، عبر التلويح بورقة التهدئة مع الاحتلال، خلافاً للمواقف المعلنة في اليومين الماضيين لحركة "حماس" وجناحها العسكري في "كتائب عز الدين القسام"، ومن المرجح أن تشهد الأيام القليلة المتبقية على الأول من يوليو المقبل، ممارسة ضغوط أوروبية ثقيلة على السلطة الفلسطينية بالذات، لحثها على تأمين ضمانات بعدم انضمام قواتها الأمنية الرسمية لعمليات عنف ثوري ومقاومة لخطوة الضم، وتأكيد رفضها لحالة "فلتان أمني" في الضفة الغربية المحتلة. وفي ظل مثل هذه الضغوط المتوقعة على السلطة الفلسطينية، فإن حسابات نتنياهو الأخيرة تعتمد بالأساس على التقديرات المحدثة للأجهزة الأمنية الإسرائيلية، ومدى استشرافها لحالة الغليان أو عدمه في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في حال تمت إحدى خطوات الضم، من جهة، والموقف الأميركي من جهة ثانية.