دولي

ما المطلوب فصائليا وشعبيًّا في ظل غياب الأفق السياسي الفلسطيني الوطني؟

 يواصل الاحتلال الإسرائيلي مشاريعه التهويدية وسياساته الاحتلالية في كافة المدن الفلسطينية لا سيما في مدينة القدس ‏المحتلة عاصمة فلسطين، ويدرك كل فلسطيني وعربي مدى توسع وازدياد إجراءات الاحتلال التعسفية بحق المقدسيين، ‏وحلمه في فرض كامل سيادته على المسجد الأقصى على المستوى الإداري والأمني، وتتويج نفسه صاحب السيادة الوحيد ‏على المدينة الفلسطينية‎.‎

أما في الضفة الغربية المحتلة؛ فيبدو المشهد بنفس الوتيرة، وربما أكثر من ذلك.. في الضفة الغربية سلطة منزوعة ‏الصلاحيات؛ لا سيادة لها سوى على المقاومين من أبناء الشعب الفلسطيني وعلى شباب الحجارة والمولوتوف الذين يعملون ‏بأقل الوسائل لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، فضلًا عن سعي الاحتلال للبدء بالمشروع التدميري للسيطرة على الضفة ‏الغربية والذي بات يعرف بمشروع "ضم الضفة الغربية" ... مشروع الضم والاستيلاء.‏

كل هذا يجري بدعم أمريكي لا محدود، وموجة تطبيع وتودد للاحتلال الإسرائيلي لم يشهد لها التاريخ مثيلا، واستمرار أزمة ‏‏"كورونا" العالمية التي أضافت عبئًا على شعوبنا العربية والإسلامية المنهكة بالصراعات منذ سنوات‎

‎في المقابل ما يزال الشباب الفلسطيني يواصل تصديه للاحتلال الإسرائيلي بكافة الطرق والوسائل المتاحة أمامه، ونجح في ‏الكثير من المحطات من تحقيق انتصارات نوعية لا سيما في هبة باب الرحمة الأخيرة في القدس المحتلة في شباط 2019، ‏وما تبعها من بعض المواجهات والمعارك التي تندرج تحت عنوان المقاومة الشعبية... بكل تأكيد ليست السلمية.

منذ انتهاء حرب 2014 عمل الفلسطينيون على ابتداع أساليب ووسائل نضالية جديدة للدفاع عن قضيتهم بعيدًا عن الحرب ‏الشاملة، ونجحوا في إطلاق انتفاضة القدس التي عرفت بـ "انتفاضة السكاكين" عام 2015، والتي شهدت العديد من عمليات ‏الطعن والدهس وبعض العمليات الفدائية النوعية، لكن تلك العمليات الفردية تراجعت بفعل إجراءات الاحتلال والتنسيق ‏الأمني الذي ما زال قائمًا بين السلطة الفلسطينية ومخابرات الاحتلال وقواته العسكرية والأمنية‎.‎

واليوم، ومع ضباب المشهد السياسي الوطني، ونجاح نتنياهو ومعه ترمب بسلسلة من الإجراءات والمشاريع التي تهدد أصل ‏القضية وتقضي على روحها ومستقبلها، لا يمكن انتظار الأمل والفرج دون إجراءات فلسطينية ميدانية تعيد حسابات قيادة ‏الاحتلال والإدارة الأمريكية بشأن كل سلوك ضد القضية الفلسطينية، وهنا يكمن السؤال... ما هي تلك الإجراءات المتوفرة ‏عند الشعب الفلسطيني والتي يمكن أن تؤذي الاحتلال ومشاريعه وخططه التصفوية وتعيد الحضور للقضية الفلسطينية.

يتفق الكل الفلسطيني، أن أول خطوة في هذا المسار هو تحقيق مصالحة فلسطينية حقيقية تعيد الثقة بقيادة الشعب الفلسطيني، ‏وتعيد الاهتمام العربي والإسلامي لهذه القضية التي بات البعض غير مبالٍ لها أو متواطئ عليها، وهذه الخطوة بكل تأكيد ‏تواجه العديد من المصاعب السياسية التي تتعارض في المبادئ بين فصائل المقاومة، وفي المقدمة منها حركة حماس من ‏جهة، والسلطة الفلسطينية التي تسيطر عليها حركة فتح من جهة ثانية‎.‎

تنازلات داخلية أخوية لا بد منها لإعادة القضية الفلسطينية إلى رمزيتها وقوتها وحضورها، ولعل أبرز خطوة إيجابية على ‏السلطة الفلسطينية القيام بها، هي وقف التنسيق الأمني قولًا وفعلًا، فلم يعد مقبولًا فلسطينيًا على كافة المستويات الشعبية ‏والفصائلية استمرار تنسيق المخابرات الفلسطينية مع المخابرات الإسرائيلية، لأن ذلك فتيل تفجر المصالحة في حال تمت، ‏فضلًا عن تأثير استمرار التنسيق الأمني على الروح الوطنية والانتماء عند الشعب الفلسطيني، وآثاره على المسيرة ‏النضالية للشعب الفلسطيني المقاوم‎.‎

وفي مسار آخر، وهو المسار الذي يمكن أن يفرض نفسه على الشارع وفي كل الغرف السياسية والأمنية والعسكرية.. إنه ‏خيار المواجهة الشعبية الفدائية مع الاحتلال الإسرائيلي بكافة عناوينها، ابتداء من المواجهة بالحجر والمولوتوف بمشاركة ‏الكل الفلسطينية على غرار الانتفاضة الفلسطينية الأولى والثانية، وصولًا إلى العمليات الفدائية النوعية بكافة مساراتها ‏وبمشاركة ودعم فصائل المقاومة التي آمنت بهذا المسار وعملت فيه خلال العقود والسنوات الماضية، وهنا لا بد من ‏الإشارة إلى أن هذا المسار لا يعني بالضرورة الانتقال إلى حرب شاملة مع منطقة فلسطينية معينة أو فصيل بعينه، وعلى ‏فصائل المقاومة اتخاذ كافة الإجراءات التي تمنع حصول ذلك، فمن غير المنطقي أن نحول مواجهتنا مع الاحتلال إلى رد ‏على عدوان عسكري غاشم يستخدم فيه الاحتلال كافة الوسائل العسكرية المدمرة، وإن أُجبرنا على ذلك فحينها لا نملك ‏سوى المواجهة والقتال حتى تحقيق نصر تاريخي سيسجل في التاريخ‎.‎

في الخلاصة، إن المواجهة الشعبية الفدائية مع الاحتلال، سنعيد أمجاد العمليات التي أوقفت جميع أحلام الاحتلال ‏الإسرائيلي عام 1987 وعام 2000، وسنعيد رسم المشهد الفلسطيني كما نريده نحن، وسيرضخ نتنياهو ومعه ترمب ‏والإدارة الأمريكية إلى مطالب الشعب الفلسطيني‎.‎

لعل هذا المسار هو المسار الوحيد القادر على لجم الاحتلال الإسرائيلي وإنهاء حلمه بتدمير القضية الفلسطينية بكافة ‏أركانها، وسيبقى الفلسطينيون عنوانًا للصمود والمواجهة فلا يمكن أن تضيع القضية الفلسطينية ونحن شهود على ذلك. ‏ورغم تكاليف هذا المسار، إلا أنها الأقل خسارة أمام ضياع القضية الفلسطينية وسيطرة نتنياهو على كافة أركان القضية ‏وتهويد فلسطين وانتزاعها من أهلها وأصحابها‎.

من نفس القسم دولي