دولي
مخططات استيطانية شرسة تنفذها أجهزة الاحتلال لترسيخ السيطرة وتسهيل عملية الضم
القدس في عين العاصفة
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 27 ماي 2020
لا تزال مدينة القدس المحتلة تتعرض لهجمات استيطانية شرسة تنفذها أجهزة الاحتلال المختلفة، ضمن المحاولات الرامية لقضم ما تبقى من أراضي الفلسطينيين، وترسيخ السيطرة الإسرائيلية عليها، من أجل تهويدها، ضمن مشروع الضم الإسرائيلي الخطير الذي يستهدف الضفة الغربية.
أكد المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تواصل محاولاتها الرامية للسيطرة على أوسع مساحة ممكنة من أراضي المواطنين في المدينة والمحافظة في ظل تجاهُل مطلق للواقع المعيشيّ الصعب الذي تفرضه على السكّان المقدسيين، هذا إلى جانب مواصلة سياسات تدعمها جميع حكومات إسرائيل المتعاقبة منذ 1967 تتمثل بهدم مساكن المقدسيين وممارسة جميع أشكال التضييق عليهم وأشكال من “التطهير العرقي الصامت” والمتواصل لتغيير معالم المدينة على طريق تهويدها وتزوير تراثها وحضارتها وتاريخها خطوة خطوة.
وأشار التقرير إلى ما جاء في حفل حكومي إسرائيلي بهذه المناسبة، حين قال بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي إن حكومته الجديدة مستعدة للمفاوضات “على أساس أن القدس ستبقى العاصمة الموحدة لإسرائيل”، وقال إنه سعيد بأن يسمع شركاؤه الحكوميون الجدد موقفه هذا، فيما عهدت الحكومة الجديدة بوزارة شؤون القدس إلى الحاخام المتطرف رافي بيرتز الذي كان الحاخام الأكبر لجيش الاحتلال بين عامي 2010-2016، والذي صرح في 2014 بأن لا قداسة للأقصى في الإسلام، ولا شرعية لوجود المسلمين فيه.
وتطرق التقرير إلى ما كشفته سلطة الآثار الإسرائيلية، ومؤسسة تراث “الحائط الغربي”، وهو حائط البراق، عن قيام طواقمها بإنهاء عملية تنقيب كبيرة استغرقت عامين، أسفل حائط البراق، وأنه تم اكتشاف غرف حجرية فوق بعضها البعض، تعود للعصور البيزنطية والأموية والعباسية، حيث لم تتوقف الحفريات الإسرائيلية منذ احتلال القدس الشرقية والبلد القديمة عام 1967، فيما يأتي هذا الكشف الجديد قبل ما يُسمى (يوم القدس)، حيث أشارت “الآثار الإسرائيلية” إلى وجود نية لترتيب جولة لكبار المسؤولين في الحكومة الإسرائيلية، وبعض الضيوف الأجانب، وفي مقدمتهم السفير الأمريكي المستوطن فريدمان إلى المكان رغم أن الاكتشافات الجديدة لا تشير من بعيد أو قريب لصلة يهودية في المكان.
وكشف مركز حقوق الإنسان (بتسيلم) حجم العنف والظلم والبطش الذي مارسه الاحتلال على مدى 53 عاماً من احتلال القدس وضمها بالقوة، وما ترتب على ذلك من انعكاسات على مواطنيها الفلسطينيين، وقد اتخذ المركز بلدة العيسوية، شماليّ المدينة، نموذجاً لسياسات الاحتلال، وفي التقرير الذي يحمل عنوان “هنا القدس: نهبٌ وعُنفٌ في العيسويّة” يُحلّل بتسيلم السّياسة التي تطبّقها إسرائيل في الحي منذ ضمته إلى حدودها، وهي سياسة قوامها نهب الأراضي والإهمال المتعمّد وغياب التخطيط – وعُنف الشرطة المطبّق بتطرّف وحشيّ، ونهب نحو 90% من أراضي العيسوية، التي كانت تمتد آنذاك على مساحة نحو 10,000 دونم وتسخيرها لاحتياجات المستوطنين والاستيطان.
وفي القدس كذلك تواصل سلطات وبلدية الاحتلال سياستها القائمة على تهويد المدينة بالقوة، حيث أحضرت مؤخرا معدات حفر تحضيرا لمشروع قطار الأنفاق الذي تعتزم تنفيذه أسفل الأرض من وادي حلوة باتجاه باب المغاربة ضمن مشروع ما يسمى “تطوير مدينة داود” لجلب السياحة الاستيطانية إلى سلوان وجنوب المسجد الأقصى، هذا في الوقت الذي تتواصل فيه عمليات ترميم المنازل التي استولت عليها جمعية العاد الاستيطانية.
كما تجري التحضيرات لإقامة مشروع “كيديم” على الأرض المقابلة لحائط البراق على أرض مساحتها 4 دونمات مملوكة لعائلات سلوان ووقفية لعائلة أبو السعود، فيما يسعى الاحتلال لمصادرة أراضي قطعة رقم 22 من أراضي وادي الربابة في حي سلوان بادعاء أنها تندرج في عداد أملاك الغائبين وفي عداد الحدائق العامة الإسرائيلية.
وإلى جانب تلك المشاريع التي تهدف إلى قضم مزيد من الأراضي الفلسطينية، بدأت سلطات الاحتلال في تنفيذ مشاريع احتلالية أخرى، حيث قامت جرافات الاحتلال بالمرحلة الأولى من أعمال التجريف لشق طريق ”التفافي حوارة” الجديد، والذي أقرته حكومة الاحتلال عام 2014 ضمن مجموعة طرق أخرى في الضفة الغربية تحت ما تسمى “خطة درج”، حيث يصل طوله نحو 7 كم، ويهدد نحو 406 دونمات من أراضي المواطنين بالاستيلاء والمصادرة، فقد أظهرت دراسة أعدها معهد (أريج) أن 31 مخططا استيطانيا تم المصادقة عليها في 26 مستوطنة إسرائيلية خلال الربع الأول من العام 2020، وتنتظر البدء في التنفيذ. وتشمل القائمة الصادرة كلاً من مستوطنات كوخاف يعقوف وكفار أدوميم وجيفع بنيامين في محافظة القدس (خارج حدود بلدية القدس بواقع 4078 وحدة استيطانية على ما مساحته 2294 دونماً من الأراضي الفلسطينية، وهي المحافظة الأكثر تضرراً من بين المحافظات الفلسطينية من حيث الأراضي التي سيتم الاستيلاء عليها لهذا الغرض.
وعلى صعيد آخر اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تحقيقات المحكمة الجنائية بما فيها تلك التي تتصل بجرائم الاستيطان “تهديداً إستراتيجياً لإسرائيل”، وقال: “إن محاكمة إسرائيل على جرائم مزعومة ضد الفلسطينيين هو تهديد إستراتيجي نادر لإسرائيل”، مشدداً على أن منع إجراء التحقيق سيكون في مقدمة أولويات الحكومة الجديدة، وفي هذا الإطار وفي ظل الدعم الأمريكي غير المحدود هاجمت الإدارة الأمريكية أيضا المحكمة الجنائية الدولية، التي وصفها وزير الخارجية مايك بومبيو بأنها “جسم سياسي وليست مؤسسة قضائية”، وأن الولايات المتحدة تجدد معارضتها لأية تحقيقات “غير شرعية” تقوم بها المحكمة.
ورصد التقرير كذلك الردود الدولية المعارضة لمشاريع الاستيطان، وقال إن ردود الفعل الأوروبية ما زالت هي الأكثر حضورا على المستوى السياسي والدبلوماسي في معارضتها لسياسة الضم الإسرائيلية المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية، مشيرا إلى البيان المشترك الذي أكد فيه مندوبو الدول الخمس (فرنسا وبلجيكا وألمانيا وإستونيا وبولندا) لدى الأمم المتحدة، قبيل بدء جلسة لمجلس الأمن الدولي حول الحالة في الشرق الأوسط بما في ذلك القضية الفلسطينية، أن القانون الدولي يعد ركيزة أساسية للنظام الدولي، وأن بلادهم لن تعترف بأي تغيير على حدود 1967، ما لم يتفق الإسرائيليون والفلسطينيون على ذلك، وأن “حل الدولتين” مع كون القدس العاصمة المستقبلية لهما، هو السبيل الوحيد لضمان السلام والاستقرار المستدامين في المنطقة.
وأشار إلى ما أكدته رئيسة مجموعة الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية في البرلمان الأوروبي، إراتشا قارثيا بيريه، بأن مجموعة الأحزاب لن تقبل سياسة الضم الإسرائيلية مطلقًا، فيما أكد ممثل الاتحاد الأوروبي لدى فلسطين سفين كوهان فون بورغسدورف تضامن الاتحاد مع الشعب الفلسطيني في مواجهة تهديدات ضم أجزاء من الضفة الغربية، باعتبار هذا الأمر يخالف القانون الدولي ويخرق الاتفاقيات القائمة ولا يتماشى مع قرارات مجلس الأمن ومبادئ الاتحاد الأوروبي.
وقد رصد التقرير الانتهاكات التي نفذتها سلطات الاحتلال خلال الأيام الماضية، ضد مناطق الضفة الغربية، حيث ذكر أن بلدية الاحتلال في القدس استأنفت إصدار الغرامات والمخالفات وتوزيع أوامر الهدم، بأن أخطرت بهدم 56 عقارا ومنزلا وجزءا من بناء قائم بحجة البناء غير المرخص في أحياء وقرى المدينة، فيما رصد احتراق أراض زراعية شرق مدينة يطا جنوب محافظة الخليل، بفعل قنابل ضوئية أطلقتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، كما تعرض سكان المدينة لهجوم من المستوطنين، فيما صادر الاحتلال معدات زراعية أخرى.
وأشار التقرير إلى قطع مستوطني “جفعوت” الواقعة في التجمع الاستيطاني “غوش عصيون” 40 شجرة زيتون في منطقة وادي جمجوم في بيت لحم، فيما هدمت قوات الاحتلال غرب المدينة سقيفة زراعية لأحد المواطنين، كما رصد اعتداء مستوطنين على المواطن يزن دوابشة أثناء وجوده قرب قرية المغير شمال رام الله، فيما أضرم مستوطنون النار بحقول زراعية من أراضي عوريف وعصيرة القبلية جنوب نابلس، وهاجم آخرون مركبات المواطنين واستهدفوا المحلات التجارية قرب مفرق “يتسهار”.
وقامت كذلك جرافات الاحتلال بتجريف نحو 15 دونما مزروعة بأشجار الزيتون في الأراضي الواقعة بين قريتي كفا وشوفة جنوب شرق طولكرم، فيما أضرم مستوطنون من مستوطنة “عناب” النار بالأراضي والحقول الزراعية القريبة من مستوطنة “عناب” المقامة على أراضي بلدة رامين شرق طولكرم، بحراسة قوات الاحتلال، في وقت سلمت قوات الاحتلال الإسرائيلي مواطنين من الأغوار قرارا بالإخلاء ووقف البناء في منشآت زراعية في إطار التضييق على سكان المنطقة، فيما ضاعفت مخلفات مناورات الاحتلال حدة الحرائق حيث انفجرت قذيفة من مخلفات الاحتلال في أراضي منطقة البرج شرق حمامات المالح، وفي ظل الارتفاع الحاد بدرجات الحرارة، اشتعلت النيران وامتدت على مساحات واسعة من الأراضي الزراعية والرعوية في المنطقة.