دولي

كورونا في إسرائيل .. موسم للسرقة

لا تتوانى الدولة العبرية في ظل جائحة كورونا عن الاعتراف بسرقة معدات وأجهزة طبية لاستكمال النقص في استعداداتها الطبية، والتسلل من أية شقوق في المنظومات والقوانين الدولية، وهو ما صرّح به ضابط في جهاز المخابرات (الموساد) للقناة 12 الإسرائيلية. وقد بات الحديث عن هذا الأمر شائعاً، خلافاً لحالة التكتم التي جنحت إليها تل أبيب، حين بدأ الوباء يتفشّى في مجتمعها. وحتى أواخر مارس/ آذار الماضي، ألقت سلطات الاحتلال ستاراً من الكتمان على انتشار الوباء في مجتمع الحريديم (اليهود الشرقيون)، وبالذات في بلدة بني براك قرب القدس. وهذا المجتمع الأرثوذكسي المغلق (وزير الصحة باكوف ليتزمان منه، وقد أصيب بالمرض هو وزوجته) خزّان انتخابي لزعيم الليكود، بنيامين نتنياهو، غير أن تفاقم المشكلة وتسرب أنباء عنها إلى وكالات أنباء عالمية اضطرت السلطات إلى الاعتراف بالحجم الكبير للمشكلة في هذا المجتمع، الذي يشهد اكتظاظاً في سكانه وميل العائلات إلى حياة جماعية تساعد على العدوى السريعة.

وما زالت السلطات في تل أبيب تؤثر تقييد الأخبار عن انتشار الوباء، إذ تتمحور هذه الأخبار اليومية حول وفاة مسنين يشكون من أمراض مزمنة. وبينما ظهرت أنباء عن حجرٍ لأفراد قاعدة عسكرية، فإن التكتم يحيط بمدى انتشار الوباء في مواقع عسكرية، والحال نفسه مع المستوطنات  

"الموساد تسرق أجهزة طبية، ونتنياهو لا يطيق مزيداً من الصبر، ويتفلت كي يباشر سرقة غور الأردن" المقامة على أراضٍ مصادرة في الضفة الغربية المحتلة، إذ ورد يوم 3 إبريل/ نيسان الجاري أن أكثر من مئتي مستوطن مصابين بالوباء يتوزعون على عشرين مستوطنة، بينها مستوطنة أفرات جنوبي بيت لحم التي سجلت وحدها، حتى ذلك التاريخ، 52 إصابة. وبهذا تعاملت سلطات الاحتلال مع تطورات الوباء على أنها مسألة أمن قومي، وعلى أن الانتصار عليه أمر مفروغ منه، وكما هو الحال مع أنظمة شمولية، ولكن مع قدر من الشفافية لإنقاذ سمعة النظام "الليبرالي" في أنظار الآخرين.

ومنذ الأيام الأولى لتفشي الوباء، في أواخر فبراير/ شباط الماضي، سجّلت إسرائيل عدداً مرتفعاً في الإصابات مقارنة بالجوار في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة ولبنان والأردن، ومن أسباب ذلك عودة جموع من الإسرائيليين من أميركا وأوروبا الغربية بغير إجراء فحوص عليهم أو إخضاعهم للحجر، وبسبب تقليل زعامات دينية من خطورة المرض ودعوة الجمهور إلى عدم الإصغاء لتعليمات السلطات. وكان من المفارقات حقاً أن الدولة العبرية القائمة على أساطير أصولية وجدت في قيادتها "العلمانية "الحالية من هم أشدّ أصوليةً منها في الداخل الصهيوني، ممن لا يتوانون عن نخر المركب. وقد تغير الأمر مع مطلع إبريل/ نيسان الجاري، حين اكتشفت الجماعات الأشد أصولية أن الموت يتهدّدها زرافات ووحداناً، ولا مناص من الإذعان (ربما مؤقتاً) للسلطات والقبول بإجراءات الحظر.

غير أن الإنكار النسبي لكورونا شمل المستوى السياسي، ممثلاً بنتنياهو، ورئيس تكتل أزرق أبيض المفكّك، بيني غانتس، فالمفاوضات الماراثونية بينهما على تشكيل حكومة "قومية" تجري وكأن لا وجود لكورونا إلا في بعض الضواحي البعيدة، وفي الوسط العربي "الفلسطيني". علماً أن الإصابات في هذا الوسط أقل بما لا يقاس عن الإصابات في المجتمع الصهيوني (بلغت في هذا الأخير 12500 إصابة حتى فجر السبت 16 إبريل/ نيسان). ولكن إسرائيليين كثيرين يفاخرون بأن الوضع لديهم أفضل مما هو عليه في أوروبا. يدرك نتنياهو، وغريمه غانتس، بالطبع، وجود المرض، ولكن الأول يرفض إشراف الجيش على مكافحة الوباء، مخافة أن تنخدش سمعة حكومة تصريف الأعمال في نجاعة المكافحة. والثاني مهجوسٌ بمشاركة كاملة في الحكومة على جميع المستويات، ويريد أن يترك باباً قضائياً مفتوحاً أو موارباً لمنع نتنياهو من تشكيل الحكومة بتهم الفساد. ويختلف الرجلان بشأن جهاز القضاء، وتسمية رئيس والمحكمة العليا وأعضائها (يتهمها اليمين بأنها في يد اليسار!)، ولكن الرجلين اتفقا على ضم أراضي الغور بعد أشهر، وليس فور تشكيل الحكومة العتيدة، ذلك أن الجنرال غانتس يرغب في تنسيق كامل مع واشنطن لهذا الغرض، فيما يرى نتنياهو أن الضوء الأميركي الأخضر مشتعل منذ أعلن الرئيس دونالد ترامب عن صفقته في 28 يناير/ كانون الثاني الماضي، وأن العمل على الخرائط الأميركية مع السفير ديفيد فريدمان قائم، وقد قطع شوطاً كبيراً، في ما سُمّيت تفاهمات بين الطرفين المتنافسين. 

الأهم من ذلك أن الإدمان الإسرائيلي على اللصوصية ما زال على حاله، ولم يجد علاجاً له، 

"الدولة العبرية القائمة على أساطير أصولية وجدت في قيادتها "العلمانية "الحالية من هم أشدّ أصوليةً منها في الداخل الصهيوني" فالموساد تسرق أجهزة طبية، ونتنياهو لا يطيق مزيداً من الصبر، ويتفلّت كي يباشر سرقة غور الأردن (أكثر من مساحة ثلث الضفة الغربية المحتلة)، وتسمي الأدبيات الصهيونية إجراءات السرقة إخضاع مناطق أو أراضٍ لـ" القانون الإسرائيلي"، فيما يسمى الاستيلاء على القدس الشرقية المحتلة عملية توحيد للمدينة. وبين سرقة معدّات طبية والاستعداد لسرقة غور الأردن، واصل مستوطنون، بتواطؤ مكشوف مع السلطات، نشاطهم في ظل جائحة كورونا في تدمير أشجار زيتون وإحراق سيارات لمواطنين فلسطينيين، فيما يشكو مواطنون عرب في الدولة العبرية من نقص الخدمات الصحية، ولا مبالاة المسؤولين الإسرائيليين تجاه الوضع الطبي الضعيف في مدنهم وبلداتهم، وحتى من جرائم جنائية غريبة تستهدف حياة الشبان.

وبينما يثور جدل في العالم بشأن مآل الموجة الشعبوية في الغرب خصوصاً، بعد كورونا، هل ستزدهر أم تأخذ طريقها الى الأفول، فإن النسخة الإسرائيلية الخاصة بالشعبوية لا تتأثر بعوامل خارجية ومؤثرات "دخيلة"، فالعنصرية الثاوية والظاهرة في المشروع الصهيوني المتجدّد تتغذى من ذاتها ومن انغلاقها، ومن نجاحاتها التوسعية حتى الآن، ولئن كانت الحرب مع كورونا حرباً مع عدو غير مرئي، إلا أن الأصوات لا تني ترتفع هناك هاتفة: دعوا الجيش ينتصر.. على الوباء. بل ثمّة قناعة تردّدها بعض مقالات الصحف، بأن مرحلةً ستأتي في القريب، وينزل فيها الجيش إلى الميدان ليلقّن الوباء درساً لن ينساه.

من نفس القسم دولي