دولي

صوت الرصاصة الأخيرة للشهيد خليل الوزير "أبو جهاد"

بتاريخ 16/4/1988 اغتالت "دولة الاحتلال الإسرائيلي" القائد الشهيد خليل الوزير ابو جهاد، ولم تكن عملية اغتيال عادية، بل هي حرب شاملة خطط لها جنرالات الحرب في "إسرائيل" بكافة مستوياتهم العسكرية والأمنية والتي اعتبرت الحرب الثالثة بالنسبة للكيان الإسرائيلى باغتيال الرأس المدبر والمخطط للعمل العسكري والانتفاضة في الأراضي المحتلة، وكما وصفته الصحافة الإسرائيلية والأمريكية بأن أبا جهاد مخطط بارع لا يهزم وكان من أخطر أعداء "إسرائيل" على مدى ثلاثة عقود، وأن بقاء ابو جهاد حياً أصبح أمراً لا يطاق بالنسبة لإسرائيل، وأن غياب ابو جهاد هو ضربة قاصمة للانتفاضة ، هذه الانتفاضة التي توسعت واستمدت روحها الثورية من  الدستور الذي وضعه ابو جهاد في رسالته الى الشعب الفلسطيني تحت عنوان لنستمر في الهجوم حتى تهدم كل ما توهم العدو انه بناه وشيده في سنوات الاغتصاب والاحتلال، فلا تراجع ولا تهاون ولا تعايش مع الاحتلال فلا صوت يعلو فوق صوت الانتفاضة. الشهيد ابو جهاد كان يربط الداخل بالخارج، وإحدى سماته العبقرية انه أعطى اهتماماً للأراضي المحتلة وركز على ذلك واعتبرها مركز الثقل للعمل الوطني الفلسطيني من خلال بناء الأطر  التنظيمية والجماهيرية وبناء المؤسسات والبنية التحتية للمجتمع الفلسطيني وخلق حالة نهوض وطني حولت الأراضي المحتلة الى الساحة الأهم في مواجهة الاحتلال، وكانت رسالته الأخيرة التي لم تكتمل عشية الاغتيال موجهة الى القيادة الوطنية الموحد للانتفاضة. الشهيد أبو جهاد أول قائد فلسطيني اطل برسائله واهتمامه على الاسرى القابعين في سجون الاحتلال، وكان له دوراً هاماً في بناء المؤسسة الاعتقالية وتنظيمها وتحويل السجون الى مدارس وخنادق للتربية السياسية والتنظيمية وتخريج الطاقات الوطنية التي لعبت الدور الأهم في الانتفاضة عام 1987، حيث كان معظم أعضاء القيادة الموحدة من الأسرى المحررين. اخترق ابو جهاد جدران السجون وتواصل مع الاسرى وعائلاتهم وهو أول من أدرك منذ البدايات أهمية الإنسان الأسير المناضل وضرورة الاهتمام به واحتضان أسرته ورعايتها، وشكلت رؤية ابو جهاد للأسرى عقيدة وفلسفة ظلت راسخة وثابتة حتى اليوم بعد ان تحولت الى نهج وطني ومؤسسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وقد برز ذلك عندما اعتقل أول أسير فلسطيني بتاريخ 8/1/1965 وهو محمود بكر حجازي وحينها قال ابو جهاد: من حق المناضلين علينا وعلى حركتهم ان توفر لهم ثلاثة أنواع أساسية من الحماية وهي:

1 - حماية عضويتهم في حركة فتح

2 - حق الحماية السياسة التي تفرض على الحركة تبني كل معتقل او أسير من بين أعضائها وتعمل على الدفاع عنه وتلتزم بالسعي لإطلاق سراحه.

3 - حق الحماية الاجتماعية التي توفر للأسير وأسرته مستوى لائق من الحياة وتعليم أبنائه والوفاء بالالتزامات المادية لأسرته.

وعلى المدى تحولت رؤية ابو جهاد الى سمة مشرفة من سمات الثورة وعنواناً بارزاً من عناوينها العظيمة عندما تأسست مؤسسة رعاية الاسرى والشهداء والجرحى ومن ثم وزارة الأسرى وهيئة الاسرى، وأصبحت هذه المؤسسات جزء من المعركة مع الاحتلال في ظل العدوان على الاسرى وقرصنة أموال الشعب الفلسطيني بسبب إعانة عوائلهم ومحاولات حكومة الاحتلال تجريم نضال الاسرى ونزع مشروعية نضالهم الوطني التي رسمها الشهيد ابو جهاد، فروح ابو جهاد بعد 32عاماً من اغتياله لازالت تقاتل دفاعاً عن الإنسان المناضل وحقه المشروع بالحرية والكرامة الإنسانية. أعطى الشهيد ابو جهاد منذ انطلاقة الثورة عام 1965 اهتمامه للأسرى وتابع شخصياً أوضاعهم وظروفهم، فعندما وقع الأسير الأول محمود بكر حجازي بالأسر قال ابو جهاد: لقد حركنا العالم كله خلف قضيته وخلال ستة أشهر كنا قد رفعنا مذكرات الى هيئة الأمم المتحدة وكل الهيئات الدولية الأجنبية التي ترعى حقوق الأسرى، واتصلنا بعدد من نقابات المحامين الأجانب للدفاع عن محمود الذي صدر بحقه حكماً بالإعدام ورفضت سلطات الاحتلال ان يتولى المحامي الفرنسي الشهير (جاك فيرجس) الدفاع عنه والذي كلفناه بذلك. وقال الشهيد ابو جهاد ان بلاغ القيادة العامة لقوات العاصفة رقم 34 الذي صدر في 22/11/1965 قد خصصناه بالكامل لموضوع الأسير محمود بكر حجازي وأكدنا خلاله على ضرورة تحويل محاكمته الى محاكمة لسلطات الاحتلال الاسرائيلي نفسه، وقد أطلق سراح حجازي عام 1971 خلال إجراء عملية تبادل بين م ت ف و"إسرائيل" مقابل إطلاق سراح الاسرائيلي (شموئيل روزنفر) الذي أسرته حركة فتح بتعليمات من ابي جهاد. ان الهاجس الدائم للقائد الشهيد ابو جهاد كان إطلاق سراح الاسرى من سجون الاحتلال، وكانت تعليماته دائماً خلال العدوان على لبنان عام 1982 وخلال العمليات العسكرية للفدائيين خاصة الدوريات المتسللة عبر الحدود بخطف جنود إسرائيليين لأجل مبادلتهم بأسرى فلسطينيين، وتنفيذاً لهذه التعليمات تم اسر ثمانية جنود إسرائيليين يوم 4/9/ 1982 خلال الغزو الاسرائيلي للبنان، وعلى أثرها قاد ابو جهاد مفاوضات عملية تبادل الأسرى تم بموجبها إطلاق سراح الاسرى على مرحلتين: الأولى في 27/11/1983 تضمنت إطلاق سراح 6 اسري إسرائيليين مقابل إطلاق سراح 4800 معتقل فلسطيني ولبناني من معسكر انصار و65 أسيرا من سجون الاحتلال في الأراضي المحتلة منهم 8 اسري من فلسطين المحتلة عام 1948، و35 معتقلاً كان قد تم أسرهم في علمية القرصنة البحرية في المياه الإقليمية اللبنانية، إضافة الى الإفراج عن الوثائق والتقارير والمراجع والدراسات التي صودرت من مركز الأبحاث الفلسطيني في بيروت، ثم المرحلة الثانية وهي عملية التبادل التي جرت في 20/5/1985 بين الجبهة الشعبية القيادة العامة وإسرائيل، حيث كانت القيادة العامة قد احتفظت بأسيرين من الثمانية، وبموجبها جرى إطلاق سراح 1150 أسير فلسطيني ولبناني. المتابع لعملية المفاوضات حول إطلاق سراح الاسرى التي أشرف عليها الشهيد ابو جهاد يكتشف مدى حرصه على التفاصيل  وعلى وضع رؤية قانونية إنسانية في التعامل مع ملف المعتقلين، فقد أعلن يوم 19/3/1983 ان م ت ف على استعداد لإطلاق سراح الاسرى الإسرائيليين الثمانية إذا وافقت سلطات الاحتلال على معاملة كافة الاسرى في لبنان وفي السجون الإسرائيلية كأسرى حرب حسب القوانين والأنظمة الدولية، وطالب ابو جهاد بضمانات بعدم تعرض الاسرى بعد الإفراج عنهم الى الملاحقة والاعتقال مرة أخرى، وقد اعتبرت الصحف الإسرائيلية حينها ان عملية التبادل التي جرت تعني اعترافاً ضمنياً واقعياً بالمعتقلين الفلسطينيين كأسرى حرب، وان ابا جهاد قائد المفاوضات احدث تغييراً في الذهنية الإسرائيلية السائدة باتجاه الاعتراف بوجود قضية عادلة يقاتل الفلسطيني من اجلها واعتباره أنسانا كسائر بني البشر، وان الفلسطينيين ظهروا أكثر التزاماً من الإسرائيليين بقواعد القانون الدولي في معاملة الاسرى المعاملة الإنسانية اللازمة.

من نفس القسم دولي