دولي
عندما يصبح الكورونا سجانا وقاتلا للأسرى....
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 23 مارس 2020
لا زالت المخاطر كبيرة في اقتحام فيروس كورونا صفوف الاسرى في سجون الاحتلال الاسرائيلي بعد ان اعترف الاسرائيليون بإصابة ضباط وسجانين ومحققين بهذا المرض وقيامهم بعزل عدد من الاسرى في سجن مجدو بسبب التقاءهم بالمصابين الإسرائيليين. الجائحة العالمية للكورونا ليست لها حدود ولا حصانة ولا تنتظر امرا من احد، انها تتفشى وتصل الى كل مكان، وسجون الاحتلال من أكثر الأماكن عرضة للإصابة بهذا الوباء، انها دفيئات ناضجة للإمراض الخطيرة حيث البيئة المغلقة والمختلطة والمزدحمة، انخفاض مستوى النظافة وسوء التغذية، الإهمال الطبي وسوء العناية الصحية، ضعف القدرات الطبية ونظام البنى التحتية للسجون، ضعف التهوية، انتشار الرطوبة والحشرات، سياسة نظام القمع والقهر النفسي والجسدي على المعتقلين وغيرها من الأسباب التي تجعل من انتشار الكورونا داخل السجون أسرع بكثير منه خارج السجون. الواقع الصحي في السجون وبدون كورونا هو بالأساس مأساوي ولا يتلائم مع المعايير الدولية والطبية، فكيف اذا هبت رياح الكورونا داخل السجون على هذا الواقع الذي يفتقد للحد الأدنى للعناية الصحية؟ ولعل استمرار سقوط شهداء كل عام بسبب الإمراض الفتاكة هو دليل على سياسة إسرائيلية ممنهجة ومستمرة في الاستهتار بصحة الاسرى وتركهم فرائس للأمراض حتى الموت. الكورونا اذا ما هاجم الاسرى سوف يجد 800 أسير وأسيرة من المرضى والمصابين بإمراض خطيرة ومزمنة، سيتمكن من حصد أرواحهم بسهولة لا سمح الله، سيجد الكورونا أطفالا قاصرين وكبار في السن مشلولين ومعاقين، سيجد ان عيادات السجون غير مجهزة باللوازم الطبية الكافية، لا فحوصات استباقية للكشف عن الأمراض، سيجد أطباء متدربين غير مختصين مشاركين في سياسة الإهمال الطبي، سيجد ما يسمى سيارة البوسطة المغلقة والقذرة هي من تنقل الاسرى الى السجون والمستشفيات، سيجد انه لا مواد تنظيف ولا معقمات ولا أماكن ملائمة للحجر الصحي، هذا الكورونا سينتعش في السجون، لا رقابة دولية على الوضع الصحي للأسرى، لا معقمات ولا أدوية، وسيجد الكورونا نفسه أداة جديدة للفتك بالأسرى نيابة عن السجان. مخاوف انتقال مرض الكورونا للأسرى دفع الأمم المتحدة الى المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين، لأنه اذا ما دب المرض في أجساد الاسرى وفي حيزات محشورة ومغلقة فقد يؤدي الى كارثة إنسانية يصعب تداركها، هذا الاستشعار بالخطر دفع دولاً عديدة الى المطالبة بإطلاق سراح أسراها، وفي ظل انتشار المرض بشكل متسارع داخل اسرائيل فأن هذا الخطر يزداد على الاسرى الفلسطينيين، لا سيما ان الأسير يبقى وجها لوجه مع الإسرائيليين منذ لحظة الاعتقال، الجنود والمحققين وقضاة المحاكم والسجانين والأطباء.
تحذير الرئيس الفلسطيني ابو مازن من تعرض الاسرى للإصابة بوباء كورونا وتحميل اسرائيل المسؤولية عن صحتهم وسلامتهم يأتي في ظل عدم قيام حكومة الاحتلال بأية إجراءات لضمان سلامة الاسرى والتعامل مع الاسرى كأنهم ليسوا من بني البشر، كأنهم خارج الزمان والمكان وغير موجودين، وهي رسالة عاجلة الى منظمة الصحة العالمية وأطباء بلا حدود ونقابة الأطباء العالمية والصليب الأحمر الدولي للتدخل والتحرك لإنقاذ الاسرى والتأكد من وجود إجراءات صحية حقيقية تحميهم من الإصابة بفيروس كورونا. لا فرق بين فيروس كورونا والسجان، كلاهما يملك مفاتيح الزنزانة، وكلاهما يقتحم ويهاجم غرف وأقسام وأجسام الاسرى، كلاهما يمارس القمع الوحشي والجرائم الطبية والموت البطيء، وكلاهما يطفئ شموع الإنسانية ويترعرع في الظلام، ومنذ سنوات طويلة والكورونا تنهش أجساد الاسرى بأشكال ومسميات عديدة، يدخلون أحياء ويخرجون شهداء.
عندما يصبح الكورونا سجانا قاتلا ويهاجم الاسرى دون تدخل لحمايتهم، عندها قد يدرك ضمير البشرية ان السجن هو الوباء، الاحتلال هو الوباء، و انه لا تختلف أنظمة وقوانين السجن عن أنظمة وقوانين دولة الاحتلال ومؤسساتها المختلفة، الدولة التي تتنامى فيها كل الأوبئة العنصرية والفاشية وانتهاكات حقوق الإنسان، الاسرى بالنسبة للإسرائيليين ليسوا حاضرين ولا غائبين، ليسوا أحياء ولا أمواتا، إنهم منسيين تجاوزتهم الأشياء.
القلق الفلسطيني على صحة وسلامة الاسرى في ظل انتشار فيروس كورونا يستند الى تجربة طويلة ومعرفة الى أي حد لا تلتزم دولة الاحتلال بالقوانين الدولية ولا بأخلاقيات المهنة الطبية وقوانين السلوك الدولية في تعاملها مع الاسرى داخل السجون، هذا القلق على حياة الاسرى يدفع الشعب الفلسطيني الى توجيه نداء وصرخات انذارية الى المجتمع العالمي: لا تدعوا ذلك يحدث، لا تدعوا الاسرى الفلسطينيين تحت رحمة فيروس كورونا والاستهتار الاسرائيلي بصحتهم، لا تدعوا حرب الكورونا وحرب الطغيان الاسرائيلي تشتعل في السجون، لا تدعوا ذلك يحدث، الأمر يتوقف الان عليكم. احد الاسرى المرضى كتب من داخل السجن: لن أتوقف بعد الآن عن الصراخ حتى تأخذ العدالة مجراها، أينما كنت واينما حللت لن أتوقف عن الصراخ، ان لم يكن لدي قلم اكتب به او ورقة اسطر عليها فسأكتب بأظافري وسعالي على جدران سجني، فإذا تلفت أظافري ودميت أصابعي وتوقفت أنفاسي ستبقى روحي هائمة على الأرض تلاحقكم دون هوادة.