دولي

عن الهوس بانتخابات إسرائيل

للمرة الثالثة في أقل من عام، وربما ليست الأخيرة هذا العام، تُجري إسرائيل انتخابات برلمانية لا تفرز أغلبية لتشكيل حكومة تحظى بثقة الكنيست (البرلمان). وفي كل انتخابات إسرائيلية، يتجند إعلام عربي وفلسطيني لتغطيتها بنقل تفاصيل التفاصيل، والإغراق في التحليل باستضافة خبراء ومحللين عرباً وإسرائيليين يزعم بعضهم فهماً للمشهد الإسرائيلي يفوق فهم بنيامين نتنياهو ذاته.

بغض الطرف عن الأجندة الحقيقية لكل منصّة إعلامية تُشّرع هواءها لتغطية كل واردة وشاردة في انتخابات الكيان الصهيوني، يظل اللافت فيما نرى ونسمع، تَوَهم بعضهم بإمكانية وقوع زلزال في مزاج الناخب الصهيوني، بحيث نُصبح اليوم التالي للتصويت على إسرائيل جديدة، وقد تطهرت مما اقترفته أيادي صانعيها وحكامها من جرائم بحق شعوب المنطقة، وتمد أيادي أجيالها بسلام عادل وشامل وغير مشروط مع الدول العربية. 

كأن من يعيشون هذه الأوهام لم يتعلموا من دروس التاريخ، أو لم يدركوا بعد كنه هذا الكيان وعجينته، ولا يرون ميل مكوناته نحو اليمينية العنصرية المتطرّفة. ألا ترى منصات الإعلام العربية المواكبة لانتخابات إسرائيل الصعود الصاروخي لمنسوب اليمينية في المجتمع الإسرائيلي لصالح تنامي قوة المجموعات اليمينية والحركات الدينية العنصرية ممن يؤيدون بنسبة تفوق 90% الاحتفاظ بالتجمعات الاستيطانية في الضفة الغربية تحت السيادة الإسرائيلية في أي تسوية سياسية مستقبلية مع الفلسطينيين، ويرفض أكثر من نصفهم أي انسحاب لحدود العام 1967؟ يعمل هذا المجتمع العنصري على نزع المواطنة عن فلسطينيي الداخل، ويؤيد بنسبة 73% حرمان فلسطينيي الداخل من حقوقهم السياسية، ويطالب 40% بطردهم خارج حدود الكيان.

أم أن هذه المنصات الإعلامية لا ترى كيف ينمو الإستيطان، ويتوسع في الأراضي الفلسطينية مثل الفطر السام، بحيث زاد عدد المستوطنات في الضفة الغربية والقدس، منذ التوقيع على اتفاق أوسلو في حديقة البيت الأبيض، عام 1993 إلى 503 مستوطنات، يقطنها أكثر من مليون مستوطن! كما واصلت إسرائيل سياسة تهويد مدينة القدس، وإبعاد الفلسطينيين عنها ضمن استراتيجية مستدامة تتوافق عليها مكونات الكيان الإسرائيلي من حكومة وكنيست وأحزاب، وحركات مستوطنين، ومنظمات مدنية. 

بينما يحاول هذا الإعلام إيهام المتلقي العربي بشراسة المنافسة بين مكونات الخارطة السياسية في إسرائيل، يكشف الواقع أن التنافس الجاري في إسرائيل لا يتجاوز تنافس أحزاب اليمين مع أحزاب أكثر يمينية.

إذ لا يختلف تحالف اليمين الديني المُلتف حول بنيامين نتنياهو عن صهاينة يسمون أنفسهم يمين الوسط المتحالف مع بني غانتس.

ولا يقل هؤلاء اللاعبون الجدد شراسة أو فاشية عن حزب العمل أو كاديما أو غيرهما من الأحزاب التي جاءت واندثرت، من دون أن تزيح الناخب الإسرائيلي إنشا واحد عن صهيونيته وعنصريته.

أحزاب قديمة وجديدة، يمينية ويسارية، تتباين في طرق خدمة المشروع الصهيوني الإحلالي، وتتوافق على الأهداف في تعزيز مكانة إسرائيل دولةً للشعب اليهودي، واعتبار القدس عاصمة موحدة وأبدية للشعب اليهودي، مع تعهد الجميع الصهيوني على المباشرة فوراً في تطبيق بنود صفقة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب. 

ميل المجتمع الإسرائيلي نحو اليمينية العنصرية طافح ومُتجذّر، لا تخفي قشوره الزائفة إلا لُباً داكن الفاشية، لن تقدر على تغييره لجنة فلسطينية للتواصل مع المجتمع الإسرائيلي، يتوهم من أسسها في العام 2012 أنها قادرة على "تغيير موقف الشارع الإسرائيلي الذي يعاني من آثار عملية غسل دماغ فكري وعقائدي وسياسي من الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة التي عملت دائماً على شيطنة الفلسطيني وتخويف المجتمع الإسرائيلي منه"، كما يقول عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، رئيس اللجنة، محمد المدني.

عنصرية هذا المجتمع وحدها تُفسر صمتا يشبه الموافقة، ارتكبه اليسار واليمين وما بينهما تجاه جريمة قتل الشهيد محمد الناعم في غزة، وسحل جثته بمخلب جرّافة في مشهد استعراضي دموي، يفضح فاشية جميع مُركبات هذا الكيان من سائق الجرافة إلى قائد الحكومة.

من نفس القسم دولي