الوطن

الدوري الإنجليزي وغلاء الأسعار يقضيان على الحملة الانتخابية

يتهددها الفراغ السياسي وملل الشعب من الوعود الكاذبة

 

 

يبدو أن الانتخابات العامة في الجزائر بلغت سن اليأس، فلا المواطن أصبح مباليا بعملية تهمه مباشرة من خلال تجديد مجالس تعنى بتسيير شؤون حياته اليومية ولا السلطة أصبحت تكترث بضرورة تعبئة الناخبين بدليل فشل أغلبية الأحزاب، إن لم تكن كلها، في حشد مناضليها لملء قوائم دون اللجوء إلى أفراد العائلة أو لجوء بعضها لاشتراء قوائم جاهزة من لدن أحزاب لها فائض في المترشحين المقصيين أومنسحبين ممن لم يجدوا ترتيبا مناسبا لدى قوائم أحزابهم الأصلية. 

وهذه الظاهرة، الأولى من نوعها، تحدث في الجزائر بعد تلك التي سمحت بجمع توقيعات دعم ترشح لويزة حنون، محمد السعيد، موسى تواتي، فوزي رباعين أو جهيد يونسي للانتخابات الرئاسية في 2004 و2009. وتأتي في المقام الثالث ظاهرة التحالف التكتيكي بين أحزاب تفرقها السياسة وتجمعها المصالح الانتخابية المشتركة. فنجد تحالفات بين تروتسكيين وإسلاميين مقابل تحالف استئصالي مع إصلاحي إلى غير ذلك من التناقضات التي لا تقبلها إلا حسابات الربح والخسارة في نهاية المطاف الانتخابي. 

وهكذا بدأت القواعد النضالية تفقه مكانها من الإعراب السياسوي وبدأت تتنكر شيئا فشيئا لمثل هذه الألاعيب والتقلبات رافضة الجمع بين الأضداد في مناسبة واحدة ضاربة عرض الحائط نضال السنين وبناء الأعوام والتضحية بالمبادئ والمواقف التي تقيدها قوانين أساسية ترسم نهج الحزب وإيديولوجيته ولونه السياسي. وانفرط عقد الأحزاب بعدما امتزجت الألوان لتصبغ الطبقة السياسية بلونين اثنين لا ثالث لهما وهما لونا الانتهازية والريع. 

لونان حولا الانتخابات إلى بورصة لا يدخلها سوى من يعتقد اعتقادا راسخا بحسابات الربح والخسارة وبالتالي تبوأ المراتب الأولى في القوائم الانتخابية تباع وتشترى حسب سياسة العرض والطلب، وتداعي الانقلاب على قيادات الأحزاب المفلسة أو المجهرية من القواعد إلى الأوعية الانتخابية التي علمتها تقلب المواقف واشتراء الذمم عدم جدوى الانتخابات التي حولها السياسيون إلى سوق تشبه إلى حد ما "سوق الرق" تباع فيها ملفات دون إرادة وعلم أصحابها. 

وفهم الناخبون أن العملية الانتخابية لم تعد سوى لعبة في أيدي من يفقهونها ويتحكمون في مداخل ومخارج ريعها وتوجيه أصوات من يسبحون في فلكها. وأصبحوا بالتالي غير معنيين بوعود كذبها الواقع الذي لم يتغير بين عهدتين متتاليتين إن لم يزداد سوءا بعد سوء. 

أما السببان المباشران اللذان حولا الانتخابات، رغم أهميتها، إلى اللاحدث هي غلاء المعيشة التي يتحكم فيها السماسرة ولوبيات المال وليس الحكومة أوالانتخابات مهما كان مستواها، حيث بلغ التضخم مستويات لا تطاق والاقتصاد الوطني لم يعرف الإقلاع الموعود كما رسمته الحكومات المتعاقبة في ظل سياسة ريعية تتحكم فيها إيرادات المحروقات. ولم يعد المواطن يثق في سياسات لم تعد تجد نفعا ملموسا في حياته اليومية رغم الزيادة في الأجور. 

أما السبب الثاني يترجمه اكتشاف الدوري الانجليزي، الذي دخل ضيفا على بيوت الجزائريين هذا العام وطغى بظلاله على حديث العام والخاص. وجاء هذا الضيف لتدعيم سياسة الهروب إلى الأمام طمعا في تسجيل أهداف سياسوية لا ناقة ولا جمل للناخبين فيها سوى المتعة الظرفية التي تتيحها 90 دقيقة التي يتبارز فيها نجوم الأندية الإنجليزية تحت سماء جزائرية خلت من النجوم السياسية والرياضية التي يمكنها أن تقلب كفة التهديف في ظل فراغ سياسي واستقالة جماعية للناخبين وانغلاق إعلامي ثقيل العواقب. 

طارق مروان


 

من نفس القسم الوطن