دولي

سليمان حمد.. رائد العمل الإسلامي الفلسطيني في الكويت إلى رحمة الله (2)

...إذا ما رجعنا إلى تجربة سليمان حمد الإخوانية، فلعلنا نختار ثلاثة نقاط تستحق الوقوف عندها:

النقطة الأولى: الاهتمام بالشباب وتفعيل دورهم، من خلال عمل حثيث وإعداد قوي، دونما اعتساف أو حرق للمراحل. وكان لحمد دور أساس في اتخاذ قرار “ثوري” بتخصيص 75 في المئة من ميزانية التنظيم في الكويت للعمل الطلابي؛ ووراء فصل عمل "الكبار" عن الطلاب، ليتاح للطلاب قيادة عملهم بأنفسهم، بإشراف أحد الإخوة المسؤولين ممن يتفهمون عقلية الطلاب ويستوعبونهم.

كانت بداية العمل الطلابي في الكويت (1972/1973) بخمسة طلاب (كان أحدهم خالد مشعل “أبو الوليد”)، وكان ذلك عندما كان عمر أبو جبارة مسؤولا عن العمل في الكويت، وكان سليمان حمد نائبه، (عمر أبو جبارة كان أيضا المراقب العام للإخوان الفلسطينيين حتى وفاته رحمه الله سنة 1975). وقد شهد العمل الطلابي انطلاقة كبيرة في المساجد والمدارس، حيث التجمعات الفلسطينية، خصوصا في حولي وخيطان والفروانية والسالمية، وفي جامعة الكويت. ليصبح التيار الإسلامي هو التيار الأقوى (قائمة الحق الإسلامية برئاسة خالد مشعل) في انتخابات الاتحاد العام لطلبة فلسطين في جامعة الكويت في السنة الدراسية 1977/1978، ولتضطر قيادة الاتحاد الفتحاوية لتعطيل الانتخابات سنتين متتاليتين تجنبا لفوز الإسلاميين.

وقد أثمر هذا العمل الكثير من قيادات العمل الإسلامي لفلسطين في الخارج، والتي برزت لاحقا كقيادات في حركة حماس أمثال خالد مشعل، وماهر صلاح، ومحمد درويش (أبو عمر حسن)، وجمال عيسى أبو بكر، ومنير سعيد، وعزت الرشق، ومحمد نزال، وأسامة حمدان… وغيرهم.

إن إيمانه بإفساح المجال للشباب للصعود القيادي، بعد استكمال التأهيل، وإيمانه بالتداول القيادي، دفعه في اللقاء الذي جمع مجلس الشورى لانتخاب قيادة جديدة للتنظيم في الكويت في كانون الأول/ ديسمبر 1989، لأن يُقسم بالله على الحاضرين (بعد أن افتتح الجلسة) ألا يعيدوا انتخابه؛ مما أجبرهم واضطرهم لاختيار خلف له، وهكذا كان كبيرا في انطلاقته، كبيرا في عطائه، كبيرا في تنحيه. وطوال السنوات التالية كان يؤكد لإخوانه أنه "جندي من جنود هذه الدعوة".

النقطة الثانية: العمل الجهادي والمقاوم؛ إذ إن الأداء الجهادي المميز للإخوان في حرب 1948 كان من أكثر ما جذبه إليهم؛ وشارك في تأسيس فتح عندما نشأت في بيئة إسلامية وطنية وعمل معها بضع سنين. وعندما قرر تنظيم الإخوان الفلسطينيين أن يحسم الأفراد علاقتهم إما بفتح أو الإخوان. احترم قرارهم؛ لكنه شخصيا لم يوافق عليه، وسمى ذلك "الفصام النكد". وكان يرى إمكانية بقاء صيغة ما من العمل مع فتح، ما دامت توفر مظلة للمقاومة الوطنية الشريفة في ذلك الوقت. وعندما قرر تنظيم الإخوان الفلسطينيين عدم الانضمام رسميا إلى معسكرات الشيوخ في الأردن 1968-1970 (بخلاف تنظيم الأردن وعدد من التنظيمات الإخوانية) وترَك الأمر للاجتهاد الفردي. كان صوته ضمن القلة التي كانت تدعم الانضمام للمعسكرات وتبنيها.

ومع تهيؤ ظروف أفضل في منتصف السبعينيات، ومع قيادته للعمل الإخواني الفلسطيني في الكويت، كان له دور أساس في الدفع باتجاه استئناف العمل الجهادي وتهيئة البيئة المناسبة لذلك، وخصوصا في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات. وتكللت هذه الجهود التي تعاضد لإنجاحها الجميع في الداخل والخارج، بانطلاقة حركة حماس؛ والتي شارك في قيادتها في الخارج حتى 1990، وكان رئيسا للجنة التي تشرف على التخطيط فيها في الفترة 1988-1990.

النقطة الثالثة: تنظيم بلاد الشام: كان لسليمان حمد دور رئيسي (إلى جانب خيري الآغا) في دمج تنظيم الإخوان الفلسطينيين بتنظيم الإخوان الأردنيين سنة 1978 في ما يعرف باسم "تنظيم بلاد الشام". وكانت الفكرة قد نوقشت ونضجت في البداية لدى قيادة التنظيم الفلسطيني. وكان الطموح لتوسيع مشروع الدمج ليشمل لاحقا تنظيمي الإخوان السوريين واللبنانيين. وقد شكل ذلك قفزة نوعية للعمل لفلسطين في تلك المرحلة، إذ إن الإخوان في الضفة الغربية كانوا يتبعون إخوان الأردن، كما أن ما لا يقل عن نصف الأردنيين هم من أصول فلسطينية. وهذا التداخل كان يتسبب بنوع من التضارب في التخطيط والتوجيه وضبط أولويات العمل لفلسطين. وقد سهل هذا الدمج توحيد العمل في الضفة والقطاع، من خلال مكتب قيادي واحد في الداخل، يتبع العمل المركزي في عمَّان؛ حيث تشكلت لجنة فلسطين لمتابعة هذا الشأن. ثم تطور هذا العمل بإنشاء جهاز فلسطين سنة 1985، الذي تولى متابعة العمل الفلسطيني في الداخل والخارج، والذي كان يتبع رسميا قيادة تنظيم بلاد الشام؛ وهو الجهاز الذي رعى انطلاقة حماس 1987، ووفر لها الاحتياجات اللوجستية ماليا وعسكريا وسياسيا وإعلاميا؛ وكان يرأسه خيري الأغا، بينما كان لسليمان حمد دور أساسي طوال مرحلة الثمانينيات في المشاركة في قيادته وإنجاحه.

رحم الله سليمان حمد، فقد كان سعيدا بأن يرى غرسه يكبر ويينع، وتلاميذه ومريديه يشاركون في قيادة حماس والعمل المقاوم… غير أنه أسرَّ لكاتب هذه السطور أكثر من مرة، بعد أن كبرت سنّه وضعفت صحته، أنه ما زال يتمنى لو كان مع إخوانه في مقدمة الصفوف، ليس في العمل السياسي، وإنما في المقاومة والجهاد في مواجهة العدو الصهيوني.

نسأل الله أن يبلغه الله منازل الشهداء مع النبيين والصديقين، وحسن أولئك رفيقا.

* ملاحظة: المعلومات في هذا المقال مأخوذة من دراسة يُعدّها الكاتب، وكثير منها مستقى من مجموعة مقابلات شخصية مع الأستاذ سليمان حمد نفسه، ومن شخصيات عاصرته وعملت معه.

 

من نفس القسم دولي