دولي

على مدى سنوات الحصار.. منعطفات "صعبة" مرَّ بها اقتصاد غزة

أبرزها استمرار فرض السلطة لإجراءات عقابية على السيولة المالية في القطاع

انقضت 14 سنة، واقتصاد قطاع غزة المحدود الموارد، يترنح بين منعطفات صعبة؛ بسبب الحصار، وسط ضبابية ما تحمله الأيام المقبلة في إطار ارتفاع مؤشرات الفقر والبطالة وانخفاض في نسب النمو والتنمية، ولا تزال سلطات الاحتلال تقيد على القطاع -ذي الكثافة السكانية المرتفعة والمساحة الضيقة-تدفق الأموال والتجارة مع العالم الخارجي، وتقيد حرية الملاحة، وتعوق تنقل الأفراد والتجار.

 

كما أن الحروب العدوانية التي شنها الاحتلال على القطاع بين 2008 و2014، والعدوانات المتكررة التي استهدفت البنية التحتية للقطاعات الزراعية والصناعية والتجارية وحتى الخدمية، أضعفت اقتصاد غزة، و"ما زاد من الطين بِلة" استمرار فرض السلطة في رام الله لإجراءات عقابية على السيولة المالية في القطاع، وأدت إلى حالة من الركود في التجارة الداخلية، كما تردت معها الحالة الاقتصادية إلى مستويات غير مسبوقة.

وتفرض سلطات الاحتلال قيودًا على التنقل في القطاع منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي -وفق مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية «أوتشا» التابع للأمم المتحدة- كما فرضت حصارًا على القطاع، عقب الانتخابات التشريعية الفلسطينية في 2006، وشددته في حزيران/ يونيو 2007 بريًّا وبحريًّا وجويًّا.

من جهته يقول رئيس اتحاد الصناعات الخشبية، وضاح بسيسو: إن الحصار الذي يفرضه الاحتلال، وما تخلله من حروب عدوانية واعتداءات؛ سبب معاناة كبيرة لأصحاب المصانع والعاملين، وهذا ترتب عليه تسجيل النمو الاقتصادي معدلاتٍ سلبية، ويضيف بسيسو أن استمرار الحصار أحدث "شللا كبيرا" في القطاعات الصناعية التي انخفضت طاقتها الإنتاجية لنحو (10%) بسبب منع الاحتلال التصدير بالحرية الكاملة، كما أن انخفاض السيولة النقدية جراء أزمة الرواتب والحصار المالي عقد من الوضع المالي بغزة.

ويؤكد بسيسو ضرورة الضغط على الاحتلال لرفع الحصار كاملًا، وفتح كل منافذ القطاع مع الاحتلال ومع الخارج، وإيجاد أسواق لمنتجات غزة، وتوجيه مشاريع الممولين لإعادة نهضة القطاعات الزراعية والصناعية والتجارية.

من جانبه يقول النقابي والمختص في قضايا العمال، د. سلامة أبو زعيتر: إن للحصار الاقتصادي انعكاسًا على كل المناحي الحياتية في المجتمع وخاصة العمال، وهذا واضح في ارتفاع نسب البطالة بين الشباب والخريجين، ويضيف أبو زعيتر أن هذا أثر على استحداث فرص عمل جديدة، خاصة في صعوبة الاستيراد والتصدير على المعابر، وعدم دخول المواد الأساسية للصناعة والزراعة أو البناء.

ويؤكد أبو زعيتر أن استمرار الحصار المفروض على قطاع غزة، يشكل خطورة على كل المكونات الاجتماعية والاقتصادية وساهم في خلق العديد من المشاكل الاجتماعية التي أثرت على وحدة المجتمع وتماسكه. ويشير إلى توقف كثير من المهن وتراجع أخرى خاصة في الزراعة والبناء والأعمال السياحية والمطاعم بسبب الحصار، ويقول: إن نسبة البطالة في غزة عام 2012 تقدر بنحو 29%، في حين تبلغ حاليا 52%، وترتفع إلى 69% بين الشباب؛ استنادا لبيانات صادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في 1 مايو/ أيار 2019 تزامنًا مع يوم العمال العالمي، ويشدد أبو زعيتر على أن الحصار منع العمال من الوصول إلى المناطق المحتلة سنة 1948، وقنن مشاريع التشغيل الذاتية.

من جهته يقول المسؤول عن ملف الصيادين في اتحاد لجان العمل الزراعي، عائد بكر: إن الحصار قلص مساحة الصيد كثيرًا، وهذا جعل نسبة البطالة والفقر مرتفعة جدًّا في أوساط الصيادين، ويضيف بكر أن الاحتلال يمنع على الصيادين إدخال مواد مهمة تدخل في صناعة السفن، مثل مادة الفيبرجلاس، ومحركات، وأدوات صيد. ويشير إلى أن الاحتلال لا يتوانى عن ملاحقة الصيادين وهم في عرض البحر، فيقتل ويعتقل ويصادر المراكب ومعدات الصيد. ويبين أن متوسط دخل الصياد انخفض إلى الثلث عما كان يتحصل عليه قبل فرض الحصار.

وينبه بكر إلى تعرض غرف الصيادين ومعداتهم إلى استهداف الاحتلال في كل حرب عدوانية يشنها على القطاع. وتقدر أعداد الصيادين في قطاع غزة قرابة أربعة آلاف يعيل الواحد فيهم أسرة متوسط أفرادها خمسة. وتنص اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير والاحتلال وما تبعها من بروتوكولات اقتصادية، على حق صيادي الأسماك في قطاع غزة، بالإبحار لمسافة 20 ميلًا، بهدف صيد الأسماك، إلا أن الاحتلال لم يلتزم بذلك.

في السياق، يقول الخبير الزراعي نزار الوحيدي: إن الحصار لا تقتصر أضراره على منع التصدير والاستيراد للمنتجات الزراعية، بل إنه أوجد حالة من الاضطرابات السعرية في مدخلات الإنتاج ومنع كثير من المواد الأساسية اللازمة للإنتاج الزراعي لا سيما الأسمدة والأدوات ذات العلاقة بالإنتاج كالمحركات والمولدات ومواد أخرى ساهم ذلك في تقليل هامش الربح أو انعدامه في كثير من الأحيان، ويضيف الوحيدي: "أصبح كبار المزارعين معرضين للخسارة باستمرار، فمنهم من هجر الزراعة، ومنهم من يعاني الآن من الخسارات المتتالية ويفكر في ترك الزراعة تماما، كما أن نقص الكثير من المبيدات أدى إلى انتشار الكثير من الأمراض النباتية والحيوانية فتفاقمت مشاكل المزارعين".

ويؤكد أن نقص توليد الطاقة جعل عمليات زراعية كثيرة تدار في غير وقتها مثل الري على سبيل المثال، والذي انعكس سلبًا على المزارع وعلى مزروعاته، من جانبه يشدد رئيس جمعية رجال الأعمال بغزة علي الحايك على حاجة غزة الماسة لإجراءات من شأنها المساهمة في التخفيف من المعاناة الإنسانية وإعطاء بارقة أمل للفلسطينيين في غزة في سياق التفاقم الكبير لأزمتي البطالة والفقر.

ويؤكد أن الإجراءات المنشودة يمكن أن تدفع عجلة الاقتصاد في غزة، وتعمل على تحريك الوضع الاقتصادي في سياق ركوده مع الحاجة إلى رفع قيود التصدير والاستيراد وتسريع وتيرة مشاريع إعادة الإعمار إضافة إلى دعم حقيقي لإعادة النشاط لجميع مرافق الحياة الاقتصادية في القطاع.

 

من نفس القسم دولي