الثقافي
2019 سنة محاربة الفساد الثقافي في الجزائر
تم تقليص ميزانية عدّة تظاهرات فنية وثقافية والإطاحة بمسؤولين عمروا في القطاع طويلا
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 30 ديسمبر 2019
كانت سنة 2019 في الجزائر ثقافيا ملخصة في التخلص من عدد كبير من المسؤولين الذين عمروا في مناصبهم كثيرا، وأشرفوا على أغلب النشاطات الثقافية والفنية، على مدار سنوات فلم يكن رحيل الرئيس السابق إلا طريقا لإبعاد هؤلاء في وقت بدأت فيه العدالة تفتح ملفات تتعلق فساد عاشه القطاع الثقافي لأكثر من 20 سنة واستهلك عشرات الملايير، إضافة إلى ذلك فقد كانت هذه السنة فرصة لتقليص ميزانية عدّة تظاهرات والتخلص من أخرى مكررة، لكن العناوين الكبيرة التي تلخص هذه السنة يمكن اسقاطها على باقي القطاعات وهي محاربة الفساد الثقافي.
لقد كانت سنة 2019 سياسية بامتياز في الجزائر، فقد أثرت التحولات الكبرى التي شهدتها البلاد على الأحداث الثقافية الكبرى التي شهدت تراجعا ملحوظا. ولكن ظلت بعض المواعيد الهامة مثل مهرجان تيمقاد التي عقدت الدورة 41 في جويلية على مسرح الهواء الطلق المحاذي للموقع الأثري بمدينة تيمقاد بولاية باتنة، ومن أبرز العروض عرض الفنان الجزائري المغترب بإنكلترا موك صايب الذي ألهب المدرجات بأغانيه الشبابية العصرية.
بالمقابل كانت السينما الجزائرية مختلفة هذهالسنة، فالتاريخ لا يزال يسري بقوة في مخرجي أفلامها، خصوصاً أنّ الهدف واضحٌ منذ مطلع القرن الـ20، بالنسبة إلى بناء مشروع وهوية وحركة تحرير وطني، فضلاً عن حرصهم الدؤوب منذ السبعينيات الفائتة، خصوصاً مع مرزاق علواش في "رجال ونوافذ" (1983) و"عمر قتلاتو الرجلة" (1976)، محاولاً عبرهما رصد الحياة السياسية والاجتماعية في المجتمع الجزائري، بجعله السينما مرآة التحوّلات، رغم جراح وهزّات أصابت المجتمع الجزائري بقوة. والسينما عنده حلم آسر، وهذا ما يُعايَن سنوياً في أفلام جزائرية ذات نفحة تمتزج فيها فتنة الحياة بمرارة العيش، ومجد التاريخ بسخرية الحاضر، كما في "بابيشا" لمونية مدور، أبرز أفلام 2019، الذي يروي قصّة بلدٍ في تسعينيات القرن الـ20، من خلال طالبة شابّة، ترصد بمرارة بوادر اجتياح التشدّد والظلامية اللذين حاولت حركات إسلامية فرضه في الجامعة الجزائرية، وما رافق ذلك من تشنّج وإرتباك في طلبة الجيل الجديد.
هذا غير متعلّق بالجزائر فقط، بل بالمغرب أيضاً، حيث تتقوقع ذئاب حركات كهذه في جامعات مغربية منذ نهاية الثمانينيات الفائتة، بإيعازٍ من جهات رسمية.
فالتشدّد يطاول عقولاً شابّة، ولا يزال يجري لغاية الآن، ويحكمها منطق إقصاء التحرّر. هناك إطلاق للجسد والمخيّلة وتعبيراتهما المذهلة، لكن التاريخ، في المَشاهد كلّها في "بابيشا"، يظلّ يمارس سخريته من المجتمع والأفراد والمؤسّسات الرسمية، فيتبدّى فكرياً تاريخ السينما المغاربية من خلال "بابيشا"، كأنّه صراع دموي بين الحداثة والتقليد، فتقول السينما هي أيضاً كلمتها، من خلال ما لا يُرى وما لا يُقال، مستلهمة فضاءات وعوالم لتعرية المخبّأ وكشف المستور.