الوطن

صحة الجزائريين العقلية في "خطر"...!

أكثر من مليوني مضطرب عقلي يعانون سوء التكفل، اكتظاظ في المصحات وندرة الأدوية

تزايدت حالات الاضطراب العقلي في الجزائر، في السنوات الأخيرة، حيث تشير أرقام رسمية إلى إصابة أكثر من مليوني جزائري بـ"الجنون"، أغلبهم يعيشون وضعية صحية واجتماعية متدهورة، بسبب نقص الهياكل الاستشفائية وندرة الأدوية وكذا نقص المؤطرين والمختصين.

 

حسب الإحصائيات الأخيرة لوزارة الصحة فإنه يوجد بالجزائر حوالي مليوني مختل عقليا، أي ما نسبته 6 بالمائة من مجموع السكان، وهو رقم مرشح للارتفاع أكثر في السنوات المقبلة بسبب عدة عوامل وتغيرات عرفها المجتمع الجزائري، من أبرزها الضغط اليومي وصعوبة المعيشة جراء أزمة السكن، البطالة، الزواج المتأخر، والفقر، والعنف، وهي كلها مؤشرات تهدد الصحة الجزائريين العقلية يوميا، لكن الأخطر من ذلك هو الوضعية التي يعيشها المختلون عقليا بسبب نقص الهياكل الاستشفائية ونقص المؤطرين والمختصين، وكذا ندرة الدواء الخاص بعلاج الأمراض العقلية، حيث هناك أكثر من 3 أنواع من الأدوية غير متوفرة تماما، وأنواع من الأدوية الأخرى باتت تحول إلى المتاجرة بها من طرف مافيا المخدرات، في حين يبقى المختلون والمضطربون عقليا يعانون جراء غياب التكفل.

 

  • "الشارع" يحتضن المختلين عقليا

وبسبب غياب مخططات للتكفل بهذه الشريحة من المرضى، لم يبق بديل لهؤلاء سوى الشارع، حيث تعرف أغلب المدن الكبرى، منها العاصمة، انتشارا كبيرا للمرضى العقليين الذين يهددون حياة المواطنين ويعرضون حياتهم للخطر، خاصة بسبب تواجدهم في الطرقات السريعة وعلى الجسور وفي الأماكن التي تشكل تهديدا حقيقيا لحياتهم.

وترتبط هذه الظاهرة بظواهر اجتماعية أخرى، منها التشرد. فأكثر من 70 بالمائة من المتشردين هم من أصحاب الأمراض العقلية وكذا ظاهرة التسول، حيث يتم استغلال المضطربين عقليا في التسول من طرف عصابات تجني أرباحا طائلة من "البزنسة" بعقول هؤلاء، غير أن الأخطر من هذه الظواهر هو ما يحدث من قضايا إجرام وقتل كان مرتكبوها من المرضى العقليين، وهو ما يستدعي دق ناقوس الخطر والالتفاتة لهذه الشريحة كونها تشكل خطرا على المجتمع وعلى نفسها.

 

  • أزمة دواء داخل المصحات العقلية

من جانب آخر تعاني أغلب المصحات العقلية من تكاليف ارتفاع أسعار المهدئات وأدوية العلاج، حيث أضحت تصف مثل هذه الأنواع لعائلات المرضى التي تجد صعوبة كبيرة في اقتنائها، ليس لارتفاع سعرها، وإنما لندرتها في السوق الجزائرية، إذ عادة ما يتم استيرادها من قبل الصيدليات الكبرى وتكون عائلات المرضى قد قدمت مسبقا طلبا لاستقدام مثل هذه الأدوية، في حين أن أنواعا أخرى من الأدوية المخصصة لعلاج بعض حالات الاضطرابات حولت للإدمان، حيث باتت تسرب إلى مافيا المتاجرة بالمخدرات على حساب أصحاب الاضطرابات العقلية.

 

  • مصحات تلجأ لتسريح مرضاها قبل شفائهم بسبب الاكتظاظ

هذا ويعد مشكل الاكتظاظ في المصحات العقلية عبر الوطن حجر عثرة في وجه توفير تكفل أحسن بهذه الفئات، فموازاة مع ارتفاع عدد حالات الجنون، تشهد الجزائر نقصا كبيرا في عدد المصحات العقلية عبر الوطن، فأغلبها تم تأسيسها قبل عام 1980، على غرار مستشفى فرانز فانون الذي تسع طاقة استيعابه 2000 سرير، ومع الوقت أضحى يضيق بعدد هؤلاء، بعد تخصيص أجنحة منه للطب البدني، ما جعل الكثير من المصحات العقلية في الوقت الراهن تلجأ إلى تسريح هؤلاء المرضى وتلقي العلاج داخل منازلهم، بالنظر إلى ضغط الحالات الشديدة من الجنون. وبما أن التكفل من المحيط الاجتماعي غائب، فإن هؤلاء يجدون أنفسهم هائمين في الشوارع معرضين لكل أنواع الأخطار والاستغلال.

 

  • خياطي: عدد المختلين عقليا مرشح للتزايد بسبب الضغوطات

وفي هذا الصدد، أكد رئيس هيئة الصحة وتطوير البحث "فورام"، البروفيسور مصطفى خياطي، لـ"الرائد"، أن الصحة الجزائريين العقلية في خطر بسبب الضغوطات النفسية والاجتماعية والاقتصادية، مضيفا أن ظاهرة انتشار المرضى عقليا في شوارع المدن الجزائرية بدأت تأخذ أبعادا خطيرة، حيث كشف خياطي أن أغلب رؤساء أقسام الأمراض العقلية يلجأون، بغرض إتاحة فرص الاستشفاء لمرضى آخرين، إلى تقليص مدة استشفاء المرضى السابقين، مع متابعتهم بوحدة العلاج الخارجي دوريا. لكن، نسبة كبيرة من هؤلاء المرضى لا يتابعون العلاج، وهم من يشكلون خطرا باعتبار أن حالاتهم معرضة للانتكاس لا محالة، وهذا طبعا تحصيل حاصل لتواجدهم بكثرة عبر شوارع العاصمة وغيرها من المدن الجزائرية، مضيفا أن هناك نقصا كبيرا في الإمكانيات للتكفل بعلاج الاضطرابات العقلية، فحتى أدوية علاج هؤلاء تعاني الندرة في الصيدليات المركزية، وهو وضع يتطلب تدخلا من وزارة الصحة لوضع استراتيجية تتكفل بهذه الفئة التي باتت تشكل خطرا كبيرا.

 

من نفس القسم الوطن