الثقافي
مارسيل بوا.. ترجمة لا تعرف الخيانة
كان شاهداً على ميلاد الرواية الجزائرية المكتوبة بالعربية
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 22 ديسمبر 2019
تضمّنت رواية الكاتب الجزائري الطاهر وطّار (1936- 2010)، الثانية؛ "الزلزال"، كثيراً من الثقافة التراثية باعتبار أن بطلها الإقطاعي عبد المجيد بولرواح كان صاحب خلفية فقهية إسلامية. لكن ذلك لم يمنع مترجمها مارسيل بوا (1925- 2018) من أن ينقلها إلى اللغة الفرنسية، مع وضع كثير من الهوامش والحواشي كمفاتيح لقراءتها.
محطة في تاريخ طويل من العمل تمكّن من خلاله بوا من نقل أشهر الأعمال الأدبية للمؤسسَين الكبيرَين للرواية الجزائرية المكتوبة باللغة العربية وهما الطاهر وطار وعبد الحميد بن هدوقة (1925-1996)، إلى اللغة الفرنسية بكثير من الصبر والتواضع والابتعاد عن الأضواء.
بقي بوا يسبح ضد التيار طيلة حياته، وتجلّى ذلك عندما كان أبناء جلدته يغادرون الجزائر أو يتأهبون لذلك مع اقتراب الاستقلال في صيف 1962، فقبل ذلك بحوالي سنة وفي عز الثورة التحريرية، وصل ذلك الشاب الثلاثيني إلى الجزائر حاملاً شهادة الإجازة في الأدب الفرنسي من جامعة ستراسبورغ، وكان يعرف بعض قواعد العربية بفضل إقامته القصيرة في تونس وبيروت.
وفي وقت انهارت فيه مقولة "الجزائر الفرنسية"، كان بوا يفكّر في مدّ جسر آخر بعيداً عن الكولونيالية، بين ضفتى المتوسط، فراح يكمل مشروعه الدراسي بحصوله على الإجازة في الأدب العربي من "جامعة الجزائر"، ثم التحق بالتعليم في بعض ثانويات الجزائر العاصمة إلى أن حصل على التقاعد العام 1986، ولم يغادر البلد رغم تدهور الوضع الأمني حتى مع اندلاع مرحلة العنف الدموي إثر إلغاء المسار الانتخابي في يناير/ كانون الثاني 1992.
انتظر بوا ما يقرب العشرية الكاملة من الزمن بعد استقراره في الجزائر ليبدأ مشروعه الذي بقي وفياً له طيلة حياته، وكأنه كان يتهيأ ليكون شاهداً على ميلاد الرواية الجزائرية المكتوبة بالعربية، وهو الأمر الذي تأخر إلى بداية سبعينيات القرن العشرين لأسباب تاريخية معروفة.
مع بداية السبعينيات، بدأت الجزائر مرحلة جديدة ميّزتها "ثورات" الرئيس الراحل هواري بومدين (الثقافية والزراعية والصناعية)، وفي سياقها جاءت "ريح الجنوب" لعبد الحميد بن هدوقة الرواية المؤسسة الشاهدة على ذلك التحوّل وكان بوا على موعد معها ليقدّمها إلى "القارئ المفرنس" مثلما قدمّها محمد سليم رياض إلى الجمهور السينمائي، وتوالت أعمال بن هدوقة التي تولى بوا ترجمها مثل "نهاية الأمس"، و"الجازية والدراويش"، و"بان الصبح"، و"غدا يوم جديد".
بعد ذلك تعدّى المترجم الفرنسي أعمال عبد الحميد بن هدوقة إلى مؤلفات معاصره الطاهر وطار حيث تولى ترجمة "الزلزال" و"عرس بغل" رغم صعوبة العمل في هذا المجال بسبب اعتماد الرواية على الشفوي والشعبي.
ولئن اكتملت تجربة بوا مع أعمال بن هدوقة إلا أنها توقفت مع الطاهر وطار إثر إعلان موقفه "الصادم" من قضية اغتيال الكاتب والصحافي الطاهر جاووت سنة 1993، ليواصل تقديم الأدب الجزائري إلى القارئ الفرنسي من خلال ترجمته لبعض روايات واسيني الأعرج وإبراهيم سعدي.
زهد بوا طيلة حياته في الأضواء، وابتعد عنها بشكل كلي في سنواته الأخيرة، حيث بقي كثير من المهتمين بالشأن الثقافي يتساءلون إن فارق عالمنا أو ما يزال في عزلته يفاجئنا بين الحين والآخر بترجمة عمل جديد، لكن جديده هذه المرة كان قاسياً حينما حملت إلينا الأخبار رحيله يوم الإثنين الماضي.