الثقافي

"مسرح العمليات": تاريخ بصري للحروب الأميركية في العراق

يضيء على ضحايا حروب الولايات المتحدة على العراق منذ 1991

قلّما يجد المرء معرضاً فنياً ضخماً في الولايات المتّحدة يتناول حروب أميركا الأخيرة في أفغانستان أو العراق، إلّا أن هناك استثناءاتٍ آخرُها معرض يحمل عنوان "مسرح العمليات: حروب الخليج 1991 - 2011".

افتُتح مؤخّراً في متحف "MOMA PS1" في منطقة كوينز بمدينة نيويورك، ويستمر حتى الأول من آذار/ مارس المقبل، ويحتوي على أكثر من أربعمئة عملٍ لاثنين وثمانين فنّاناً، ثلاثون منهم من العراق، وثلاثون من الولايات المتّحدة وستّة من الكويت، والبقية من بلدانٍ مختلفة من العالم.

تشغل الأعمال الفنية الطوابق الثلاثة للمتحف الذي كانت بنايته مدرسةً كبيرةً في الماضي، وهي أعمالٌ متنوّعة من حيث الأجناس والوسائط المستخدمة؛ كالفيديو والمنحوتات واللوحات والصور الفوتوغرافية والأفلام والدفاتر الفنّية. ويَعرض المتحف، على هامش المعرض، عدداً من الأفلام الروائية والوثائقية، لمخرجين عراقيّين وغير عراقيّين، كما ينظّم ندوتَين، الأولى افتتاحيةٌ والثانية تُقام الشهر المقبل، إضافة إلى حفل موسيقي للمقام العراقي يقدّمه قارئ المقام حامد السعدي.

لعلّ أبرز ثيمتين في المعرض هما تعامُل الفنّانين الأميركيّين، وغير الأميركيّين، مع حروب الولايات المتّحدة على العراق، بل عدم غيابها عن أعمالهم وتناولها بشكل نقدي، على عكس الإعلام الأميركي السائد الذي تواطأ مع الرواية الرسمية. أمّا الثيمة الثانية فهي تعامُل الفنّانين العراقيّين أنفسهم مع تلك الحروب.

لم تكن مهمّة القائمين على المعرض سهلة، خاصة إذا أخذنا السياق الأميركي الذي يعيش حالةً من فقدان الذاكرة في ما يخصّ العراق. وليس الحيّز الجغرافي لوحده هو سياق العرض، بل إن المتحف نفسُه هو جزءٌ من هذا السياق.وهنا لا بد من الإشارة إلى أنّ الفنّان البريطاني فيل كولينس طلب سحب عمله من المعرض، قبل افتتاحه، اعتراضاً منه على عضوية شخصين في مجلس إدارة المتحف الأم، "متحف الفن المعاصر" MoMA. والعضوان هما لاري فينك وليون بلاك. الأول لعلاقاته بالسجون الخاصّة في الولايات المتّحدة والثاني بشركات تجارة الأسلحة. من جهته، ردّ "MoMA PS1" بالقول إنه ورغم تبعيته للمتحف الأم، فإن مجلس إدارته مختلف.

أوّل ما يستوقف الزائرَ هو العنوان، "مسرح العمليات"، وهو مصطلح عسكري أميركي. كما أن الفترة الزمنية التي يحدّدها المعرض كحقبة تدور في فلكها الأعمال المعروضة هي تواريخ رسمية أميركية تستثني ما سبقها من تدخُّل أميركي ودعمٍ لنظام صدّام حسين في حربه مع إيران، وما تلا ذلك من استمرار للتواجد الأميركي في بغداد؛ حيث أكبر سفارة أميركية في العالم، باستثناء بعض الأعمال التي تتعامل مع غزو الكويت والمذابح التي ارتُكبت بحق أكراد العراق عام 1988.

ولكن لماذا أخذ المنظّمون هذه التواريخ الأميركية الرسمية بالذات؟ في حديثها إلى "العربي الجديد"، تجيب ربى قطريب، وهي القيّمة على المعرض (مع الأميركي بيتر إلي) بالقول: "صحيح أن هناك أفعالاً وتدخّلات أميركية قبل وبعد هذه التواريخ، ولكن رأينا أن العام 1991 شهد تغييراً دولياً على عدد من المستويات، لعلّ أهمّها هو النقل الحي والمباشر للحرب عبر شاشة "سي إن إن" ومحطّات أخرى. مع تلك الحرب، أصبحت الصورة جزء رئيسياً من الحرب، ناهيك عن استخدام التكنولوجيا الحديثة والوعود بالحرب "النظيفة" ودقّة الصواريخ في إصابة أهدافها، وهو الأمر الذي لم يكن كذلك كما نعلم".

وبدلاً من أن تفتح وسائل الاتصال الحديثة والتغطية على مدار الساعة الإمكانية لتغطية أعمق أصبحت نسبةٌ كبيرة من تلك التغطية بمثابة بروباغاندا لدعم الحرب. ويركّز أكثرُ من عملٍ في المعرض على هذا الموضوع، ومن بينها فيديو للمخرج والمصوّر الفرنسي المقيم في نيويورك، ميشيل أودر، بعنوان "حرب الخليج حرب التلفاز"؛ حيث يتعامل مع قضية الصور والتعليقات الإعلامية والتقارير التي بثّتها محطّات التلفزيون الأميركية عن حرب الخليج عام 1991.

ويضم المعرض أيضاً عدداً من الأعمال التي تستخدم وسائط معروفة كفن الدفاتر. واتجه عدد من الفنّانين العراقيّين لاستخدام هذه الوسائط خاصة في وقت الحصار لشحّة المواد المسموح باستيرادها. ولكن استخدام الدفاتر، بحسب نقاد للفن العراقي والعربي، بدأ منذ الخميسينيات ليصبح أكثر شيوعاً منتصف الستينيات.

لا يتّسع المجال هنا للخوض في ارتباط هذه النوع من الفن بتاريخ العراق وتراثه المتعلّق بالكتاب، لكن كان لافتاً للنظر عدد الفنّانين الذين استخدموا هذه الوسيطة لأسباب عديدة؛ من بينها المرونة التي تتيحها في خلط الوسائط. كما أنها تساعد الفنّان على ترك بصمته في ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية صعبة بشكل أسرع أو أسهل؛ فهو نوع من التوثيق لليومي الذي يجمع عدداً من إمكانيات السرد من بينها اللغوي/ الكتابي، عن طريق استحضار الكلمة/ الخط والسرد البصري، ناهيك عن استخدام أمور يومية كقصاصة ورق أو تذكرة سفر وغيرها لتحويلها إلى جزء من أجزاء تلك الدفاتر التي استخدمها الفنّانون في المعرض بطرق مختلفة.

 

من نفس القسم الثقافي