الثقافي
أكثر من 100 عرض في الدورة 21 لأيام قرطاج المسرحية بتونس
بمشاركة جزائرية
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 17 ديسمبر 2019
كان عشاق الفن الرابع في تونس على موعد هذا الأسبوع مع أيام قرطاج المسرحية في دورتها الحادية والعشرين والتي قدمت باقة من العروض المسرحية التونسية والعربية والافريقية والعالمية، والتي اختتمت يوم أمس واستضافت أكثر من 100 عرض من تونس والعالم العربي وافريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا، وذلك في إطار تفعيل توجهات المهرجان وهويته في دعم انفتاح العروض المسرحية على العالم بكل ثقافاته وألوانه المسرحية حسب ما أكد مدير الدورة حاتم دربال في ندوة صحافية. مشيرا إلى ان هذه التظاهرة انفتحت أيضا على تجارب مسرحية في الفرجة الحديثة من بلدان بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وسويسرا.
الافتتاح كان مع ثلاثة عروض تونسية هي “كاليغولا” للفاضل الجزيري و”رسائل الحرية” لحافظ خليفة و”سوق سوداء” لعلي اليحياوي، وتم خلال الدورة تكريم مجموعة من المسرحيين من تونس والعالم العربي وافريقيا، منهم محمد المورالي وآمال الهذيلي وناجي ناجح من تونس، ومحمد شرشال من الجزائر والفنانة المسرحية نادرة عمران من فلسطين وأحمد الجسمي من الإمارات العربية المتحدة وعبد الله سعداوي من البحرين وكوفي كواهولي من الكوت ديفوار ومن بوركينا فاسو أوديل سنكرا. إضافة إلى تتويج رجاء فرحات وعز الدين المدني ومحمد مومن من تونس وثريا جبران من المغرب وروجيه عساف من لبنان وسمير العصفوري من مصر وغسان مسعود من سوريا.
ويقول الشاعر والصحافي المختص في الثقافة ناجي بن جنات في تصريحات إعلامية، إن أيام قرطاج المسرحية في دورتها الحادية والعشرين تعكس تقاليد الفن الرابع في تونس الضاربة في العراقة، كما أنها تجسد الحرص على إثراء عملية التثاقف بواسطة أعرق الفنون وهو المسرح. وهو ما انعكس على حجم المشاركة من عدة بلدان تمثل تقريبا كل القارات.
ويتابع: “المشاركون يجدون في هذه التظاهرة ما يبرز ألوان إبداعهم في المسرح والشكل الأمثل لهوياتهم الثقافية”. وبخصوص البرمجة يشير محدثنا إلى ان من أبرز المسرحيات المشاركة “زوم” لهادي عباس ومسرحية “كاليغولا” للفاضل الجزيري، وهي قراءة نوعية معاصرة لمسرحية كاليغولا التي اشتهرت بفضل إبداع المسرحي التونسي الراحل علي بن عياد.
وقال بن جنات إن أيام قرطاج المسرحية نجحت في تجذير تقاليد التواصل بين المبدعين المسرحيين في العالم حتى في الأصقاع النائية مثل الهند. وأكدت مجددا ان المسرح هو الحاضنة المثلى لهموم الإنسان المعاصر.
مسرحية “سيكاتريس” من الأعمال المدرجة ضمن المسابقة الرسمية عرضت في قاعة الفن الرابع في العاصمة التونسية من إخراج غازي الزغباني وكتب نصها حاتم جوهر ومن تمثيل محمد حسين قريع ونادية بوستّة ومريم الدريدي ومحمد علي القلعي وطلال أيوب. وهي تتطرق إلى حياة صحافي في مسيرته المهنية حيث تعرض لأنواع شتى من الظلم والاضطهاد في زمن الحكم الديكتاتوري، كل هذه الأحداث التي مرت في حياته حولته إلى مريض في مستشفى الأمراض العقلية، هناك يجلس وحيدا يتأمل مختلف مراحل حياته التي شهدت الحب والخيانة والوجع.
فقد وقع البطل الصحافي ضحية أحلامه التي لم تتحقق في ذاك الزمن الذي يغيب فيه صوت الحرية بين عتمة السجون. وهو في الحقيقة يسرد مراحل من تاريخ تونس المعاصر بكل ما تخلله من أزمات وصعوبات سياسية وأمنية.
وبما أن المسرح هو انعكاس للواقع العربي فقد نقلت مسرحية “إلى ريا” من البحرين الجمهور إلى البلدان التي تعيش على وقع الحروب العبثية. يجد الجمهور نفسه أمام خشبة المسرح التي تجسد أرض المعركة تتناثر في أرجائها خيوط تتدلى تجسد أشلاء الضحايا. هذا العمل من تأليف جمال الصقر وإخراج جمال الغيلان وأداء حسن العصفور وبرفين. فالحرب لا تنتج سوى أرواح وأجساد مشوهة يجسدها بطل العمل عمار، الذي يهذي بكلمات غير واضحة في بلد انهكته الحروب. فقد سلط المخرج الضوء على الحروب وما تنتجه من كوارث.
ومن أبرز العروض العربية نجد العمل المصري “الطوق والأسورة” التي كتب نصها سامح مهران في اقتباس عن رواية الكاتب الراحل يحي الطاهر عبد الله وإخراج ناصر عبد المنعم. ويحملنا العمل إلى أقصى مصر وبالتحديد إلى الصعيد بعاداته وتقاليده، حيث يحتل الرجل الصدارة فيما تستباح حقوق المرأة في مجتمع ريفي ذكوري. وهنا في هذا العمل تبدو المرأة مضطهدة باسم الدين حيث تقع ضحية أحد المشعوذين الذين يستغلون الدين للإتجار بأوجاع ومآسي البشر في مشهد أثر في الحضور فصفق له طويلا. وتطغى على العمل الصور والألوان الداكنة لذلك لجأ المخرج إلى عرض بعض الأغاني التراثية في الصعيد وهي أيضا تعبر عن معاناة تلك القرى الريفية.
حافظت أيام قرطاج على عاداتها في جلب المسرح إلى التلميذ المبدع، فعلى هامش المهرجان عقدت أيضا أيام قرطاج المسرحية في المسرح المدرسي بتنظيم من مدرسي مادة التربية المسرحية. وتضمنت التظاهرة عرض 15 عملا مسرحيا إيمانا بأن المسرح هو جزء من الثقافة ومن تطوير الوعي لدى التلاميذ في تلك المرحلة الهامة من عمرهم. من أبرز العروض “عشرة لاعبين يبحثون عن مؤلف” لياسين الفطناسي وقد أدى الأدوار تلاميذ إعدادية مدرسة حي الخضراء في تونس. اضافة إلى مسرحية “كتاب الليل وحكاياته ” لسارة السبوعي من إعداد مدرسة الحبيب ثامر ببئر مشارقة زغوان، وتخلل الأيام عرض ورشات تكوينية للتلاميذ المبدعين والهواة في آليات تنشيط نوادي المسرح المدرسي في الجهات التونسية.
كما شهدت هذه الدورة عرض 11 عملا مسرحيا بمشاركة 120 سجينا وذلك في إطار انفتاح المهرجان على المؤسسات السجنية ونقل الثقافة للسجون أيضا باعتبارها أداة هامة في تطوير ودمج الإنسان.
على هامش أيام قرطاج انعقدت الندوة الفكرية تحت عنوان “تمثلات الفضاء المسرحي على ضوء المشغل الحضاري والجمالي وضمن تقاطعاته السينوغرافية والتكنولوجية” إضافة إلى ندوة ثانية حول “المسارح الرومانية وفنون الفرجة في تونس عبر التاريخ”. بمشاركة خبراء ومختصين في المسرح من تونس وفرنسا وسوريا ولبنان ومصر وايطاليا وغيرها .
وتطرقت ندوة “تمثلات الفضاء المسرحي” إلى خمسة محاور تتحدث عن القراءة التاريخية والأركيولوجيا للمسرح الاغريقي الروماني. إضافة إلى التجربة المسرحية العربية والسينوغرافيا كفن مستقل، والحديث عن السينوغرافيا إضافة إلى امكانية ان يكون للسينوغرافيا خطابا خاصا به. وركزت المداخلات في هذه الندوة إلى أهمية تحرير الفضاء بوصفه الحيز الزماني والمكاني إلى آفاق أرحب، بشكل يعيد صياغة مفاهيم الواقع وآلامه وأزمات الإنسان المعاصر بمرونة أكثر. هنا يصبح المسرح أكثر من مجرد فن رابع بل هو مرآة عملاقة للمجتمعات بكل تقاليدها.