الثقافي

قراءة في رواية "مملكة الموز" للكاتب بوعلام بطاطاش

صدرت حديثا عن منشورات " ميم"

يطل علينا الروائي الجزائري بوعلام بطاطاش برواية جديدة من إصدار "دار ميم" تحمل عنوان "مملكة الموز" وهي رواية سياسية وفق ما يوحي إليه العنوان، يحاول فيها تعرية الأنظمة الاستبدادية، فجمهوريات الموز مصطلح ساخر قدّم للتعبير عن البلدان التي تتغنى ظاهريا بالديمقراطية، في حين أن أنظمتها الديكتاتورية تسيّرها مجموعات قليلة استحوذت على السلطة وعلى جميع خيرات البلاد، في الوقت الذي تعاني فيه شعوبها من الفقر والقمع وغياب الحريات الفردية.

تتناول الرواية شخصية "الحجاج" التي شاءت الصدف أن تقحم عنوة في الثورة التي اندلعت في الجزيرة لتحريرها من استعمار البريادا، لتجد نفسها بعد الاستقلال تنتقل من مهنة مزارع بسيط إلى قائد للمخابرات، فرئيس للدولة، بعد مقتل رئيسها الشرعي، وذلك بعد استعانتها بأجهزة مخابرات الاستعمار. وعلى شاكلة دكتاتوري العالم فإنها عندما وصلت إلى هرم السلطة أبت مغادرته، حيث عملت جاهدة على البقاء على كرسي الحكم وذلك بتزوّير الانتخابات وقمع الشعب الرافض لها وتقييد حرياتهم، ولضمان استمرارها في الحكم مدى الحياة تقوم بتحويل نظام الجزيرة من جمهوري إلى ملكي وتنصب نفسها ملكا على الجزيرة تحت ذريعة إلحاح الشعب على ذلك، ثم لا تلبث وأن ترغب في أخذ تسمية جديدة: امبراطور الجزيرة، لذلك أعدّت حفلا كبيرا دعت إليه رؤساء وملوك العالم لحضور عملية التنصيب.

وفي المقابل نجد الرعية المقهورة التي سلبت منها حرّيتها تحاول بشتى الطرق استعادتها، لكن سلطة المال والسلاح كانت دوما بالمرصاد، خاصة وأن هناك مساندة قوية من قبل الكثير من دول العالم للحاكم نظير استفادتها من خيرات البلاد مقابل فتات من الأموال التي تضخ في جيوب المسؤولين.

وبين جدلية الصراع الدائر بين الحاكم وأذنابه من جهة والشعب من جهة أخرى يقدّم لنا الروائي بعضا من الصور التي يتميّز بها الحاكم المستبد والآليات التي يوظفها للبقاء في السلطة، إلى جانب صراعه الأبدي ضد كل المكائد التي تحاك ضده للإطاحة به، سواء من قبل الشعب أو حتى من قبل الزمرة المحيطة به، بحكم أن منصبه يثير الكثير من الأطماع. ومن بين الصور الواردة في الرواية نجد:

1/العمالة للخارج: يرى الروائي أنه لا يمكن لأي شخص أن يصل إلى سدّة الحكم إلا عن طريق آليتين مختلفتين، الأولى تتمثل في وضع الشعب ثقتهم فيه، والثانية هي عمالة الشخص للخارج، وبالتالي ضمان مساندتهم له سواء من الناحية المادية أو اللوجيستية للإمساك بزمام الحكم والحفاظ عليه، تقول احدى الشخصيات الروائية عن كيفية وصول شخصية "الحجاج" إلى السلطة: (لقد وصلتي معلومات بأنّ أجهزة الاستعمار كانت على اتصال به، وازدادت أكثر بعد توليه لجهاز المخابرات، كنت أظن أنها مجرّد إشاعات، لكنني تأكدت من الأمر بعد مقتل الرئيس، لقد أوصلوه إلى مبتغاهم، إذ أصبح رئيسا على الجزيرة).

2/ عقدة النقص: يصوّر لنا المؤلف شخصية الحاكم على أنها لا تملك الكفاءة اللازمة للحكم، لذلك تستعيض بالحيل والمراوغات من أجل تغطية العجز وعقدة النقص اللذان يلازمانها طوال حياتها، يقول السارد عن وضع "الحجاج": (...فهو بذلك لن يحتقر نفسه عندما يكون وسط ذلك الجمع من الغرباء، سيرفع بدوره رأسه بافتخار غير مبال بالذين تشرئب أعناقهم نحوه، وسيشاركهم مختلف المواضيع المتطرقة على الأقل بانحناءة هادئة من الرأس مرفقة بابتسامة خفيفة لا يعلن فيها لا قبول ولا رفض الفكرة المتداولة، إنها الطريقة المثالية للمشاركة بسهولة في الأحاديث التي لا يفقه فيها شيئا... كان يرى بضرورة محو كل معالم حياته الأولى وكأنها لم تكن أصلا، فهي مصدر إزعاج بالنسبة له، وهكذا سيتمكّن من معانقة تلك المرتبة والمنزلة المرجوّة ويتثبّت فيها مثلما تثبّتت الجبال على قواعدها).

3/ تزوير الانتخابات وقمع المعارضة: يعمد الحاكم المستبد على تزوير الانتخابات للوصول إلى سدة الحكم والبقاء فيها، في حين أنه يصرّح دوما على أن ذلك المنصب لا يرغب فيه وإنما جاء نتيجة إلحاح الشعب على ذلك. يقول "الحجاج" لحاشيته: (...أنتم تتذكرون جيدا الوعد الذي قطعته للشعب بعد قبولي منصب الرئاسة الشاغر، لقد قلت لهم أنها عهدة واحدة لا أكثر عملت فيها المستحيل من أجل النهوض بجزيرتنا وتحسين مستوى شعبنا المادي، أنتم تتذكرون الإلحاح الشديد من طرف شعبنا في أن أواصل خدمتهم خاصة وأنني لم أصل في السنوات الثلاث الأولى إلى هدفي بسبب ضيق الوقت، أنتم تتذكرون رفضي لفكرة العهدة الثانية والضغوط الممارسة علي، فالشعب أراد بقائي وزعماء العالم كلهم اتصلوا بي للترشح من جديد للرئاسة لكنني رفضت وأصررت على موقفي لأنني أؤمن بأنّ الديمقراطية تتمثل في حركية الكراسي، إن قبولي للعهدة الثانية في اللحظات الأخيرة لم يكن إلا بسبب تلك الطفلة الصغيرة التي قطعت طريقي يوما، كانت تبكي بحرارة وتقول أنني مثل والدها ولا تريد مني أن أخذل آمال شعبي، أنتم تتذكرون أنه بسببها فقط قبلت الترشح والاستمرار في خدمة وطني على الرغم من صعوبة المسؤولية التي أثقلت كاهلي، وفزت بعدها بالأغلبية المطلقة في الانتخابات). وجاء وصف تحوّل الجمهورية إلى مملكة متسارعا وكأنها عملية تصفية تركة، يقول الروائي: (...وما هي إلا أيام قليلة حتى نصّب على الجزيرة باسم الملك الحجاج الثاني، ملك جمهورية الموز، وذلك بعد أن ظهرت نتائج الاستفتاء مؤيدة للمبايعة بنسبة مائة بالمائة، فتحولت بذلك جمهورية الموز إلى مملكة الموز.) بينما يقدّم لنا الروائي  في المقابل صورة مخالفة للواقع حيث يقول: (...لم تنجح لا المظاهرات السلمية، ولا الإضراب العام الذي شنّه العمال والفلاحون في ثني الملك على إعادة الجزيرة إلى نظامها الجمهوري. لقد ارتكبت مجازر فضيعة في حق المتظاهرين السلميين، كما تمكّنت حاشيته من إخماد الثورة قبل اشتعالها بقوة وذلك بإلقاء القبض على القادة المنّظمين لها في وقت سريع وتمّت تصفيتهم في ساحة المدينة أمام العلن تحت ذريعة الخيانة العظمى، كإشارة واضحة من الملك على أنه لن يتخلى عن عرشه حتى وإن أباد جميع سكان الجزيرة، فلم يجد السكان من وسيلة للتعبير عن سخطهم ورفضهم لما آلت إليه الأوضاع سوى ارتداء ألبسة سوداء. لقد التزم الجميع بها فأضحت الجزيرة وكأنها في حداد أبدي، استمر الوضع على حاله زهاء ستة أشهر، أثار المشهد غيظ الملك فأصدر مرسوما يحظر فيه اللباس الأسود، ومن ذلك اليوم بدأت تتهاطل على السكان مراسيم جديدة تحدّ من حريتهم شيئا فشيئا إلى أن أصبحوا مكبّلين بها لدرجة أن مجرّد التفكير في معارضة السلطة كفيل بإحالة المعني على المحاكمة والزجّ به في السجن. لقد عمل النظام على نشر الرعب بين الأفراد، واعتمد على سياسة التفقير والتجويع، بحيث أضحت المواد الغذائية نادرة فأصبح همّ السكان البحث عنها، وابتعدوا بذلك عن الحديث في السياسة والنظام والملك، وتحوّلت أحاديثهم إلى غلاء المعيشة وندرة المواد).

4/  تقييد الحريات وتوظيف البروباغوندا: عمد حاكم الجزيرة على القضاء على معارضيه عن طريق خلق جو من الرعب والفزع بين أوساط الشعب بهدف ثنيهم عن التفكير على معارضة النظام، يقول الكاتب على لسان احدى شخصيات الرواية: (...لقد منعونا حتى من الحديث! إن تنهدت أو تأوهت فيعتبر ذلك مساسا بكرامة العائلة الملكية، سوف تسجن أو تعذب أو تعدم! لقد اقترب من الألوهية المنشودة بحكم أنه يملك حياة مواطني الجزيرة بين يديه، يمنح عفوه لمن يشاء ويقتل من يشاء! إنه فرعون زمانه!)، ويقول آخر: (..لكن ألسنا نحن أصلا في سجن؟! لقد منعونا من الهجرة، إذ لا أحد منا يستطيع استخراج جواز السفر، بينما هم وأولادهم يتفسحون ويتجولون في بقاع العالم بأموال سكان الجزيرة، فتبا لهم! نعم تبا لهم). أما السلطة الحاكمة فهي تقدّم الأمور بوجه مغاير، حيث توظف البروباغوندا لتقديم صورة حسنة للسياسة المتبعة بعيدا عن الواقع، فالجزيرة لا تملك إلا (...الجريدة الوحيدة التي لا تنقل إلا الصورة البيضاء للسلطة)، وعلى الرغم من ذلك نجد سكانها واعون بالقضية يقول أحدهم: (لقد ذاق شعبنا المذلة والقهر طيلة حكم هذا الملك، لكن التغيير لن يتأتى بتنحيته هو، بل بتنحية النظام بأكمله، لأن تغيير الأشخاص لا يحمل في حقيقته تغيير سياسة التسيير، سيأتي شخص آخر ويجسّد استمرارية النفاق والقمع والقهر. كم حاولت أجهزة إعلامهم تبييض صورة هذه السلطة الهرمة التي بدأت تتآكل من الداخل، لكن رائحتها مهما رشت بالعطور فإنها ستظل نتنة كريهة تكتم الأنفاس لأنها سقيت بمعاناة أفراد هذا الشعب. إن الصورة واضحة، ولا جدوى من إخفائها أو تزييفها، والكل يعلم بها ابتداء من الطفل الصغير إلى ذلك الشيخ الذي احتفظت ذاكرته بسيول من المعاناة، الكل يعلم حقيقة هذا النظام الذي حطّم كل معالم الدولة المتحضرة، ليعيدنا من جديد إلى عالم الكهوف، بينما يحتفظ بين أسوار قصره وأسوار قصور حاشيته بما جادت به التكنولوجيا الغربية من تطور وكأنهم يريدون إحداث هوة شاسعة بينهم وبيننا).

5/ الالتفاف على القوانين والدستور: يقدّم المؤلف مشهدا يضم الرئيس رفقة مستشاره وهما يناقشان المستقبل السياسي للجزيرة، حيث توصّلا في الأخير إلى الكيفية التي يستحوذ فيها الرئيس على كل الصلاحيات وفق ما ورد في هذا الحوار، يقول الرئيس مخاطبا مستشاره:

(- بصفتك مستشاري الذي اطلع على التاريخ وعلى أنماط الحكم فما رأيك أنت؟

فقال وقد عبس قليلا:

- حسنا، نحن في جمهورية، وبالتالي علينا أن نختار بين الحكم الرئاسي أو الحكم البرلماني.

فقلت له بلهفة:

- دستور بلدنا ينص على أن الحكم برلماني.

فقال ضاحكا:

- نحن بلد فتي، وذلك الكتاب لا يعبر عن طموحات الشعب، وفوق ذلك ليس قرآنا أو إنجيلا منزلا، يمكن لك تغييره وفق رغبتك.

فقلت كمن يعتذر:

- إذن نحن في حكم برلماني، أي أن الرئيس لا يملك في الحقيقة السلطة التي تسمح له بالتسيير وفق رغبته؟

فقال مستشاري بثقة لا متناهية:

- نعم، هذا هو الواقع.

فقلت محتجا:

- إذن أنا الآن لا أستطيع أن أتخذ القرارات إلا بموافقة البرلمان وموافقة الوزير الكبير.

ابتسم مستشاري وقال:

- بين ما هو موجود في الكتاب وبين الواقع شيء مختلف، فأنت في حقيقة الأمر السيّد في القرارات.

فقلت بنبرة مرتفعة:

- إذن علينا تغيير الدستور، يجب أن يكون واضحا وجليا فيه أن الرئيس هو الذي يتّخذ جميع القرارات فتعيين أدنى منظفة يجب أن يكون بقرار رئاسي.

فقال مستشاري متمهلا:

- أفكّرت في البرلمان؟ وما رأي الشعب في تلك القرارات؟ أنت تعلم أن تغييرنا هذا يأخذ بعدا يفهم سواء على الصعيد الداخلي أو حتى الخارجي على أنه سيطرة من طرف شخصكم على جميع مقاليد الحكم.

فقلت محتجا:

- لكن الرئيس السابق كان هو الحاكم الأساسي، ولا وجود لأي دور للبرلمان، وأنا لا أريد إلا أن أصحح الدستور حتى يتماشى مع الواقع.

فقال مستشاري بهدوء كامل: 

- أوافقك الرأي في كل ما تقوله، لكن قلت لك أنه علينا أن ننتظر رفضا من طرف بعض الجهات، خاصة إن قمت بتغييب البرلمان أو حلّه.

فقلت متسائلا:

- ما العمل إذن؟

فقال بدهاء:

- أبق على البرلمان، وضاعف من أجرتهم، لكن اجعله فقط هيأة استشارية لا أكثر، ستكتفي بالحضور مرة في السنة لافتتاح دورته لا أكثر، سيكونون سعداء بهذا الإجراء، إنها السياسة المتبعة من طرف العديد من البلدان في العالم، هكذا لا توصف بالدكتاتوري بل بالديمقراطي الذي حافظ على مختلف المجالس السائدة).

6/ التركيز على عامل الولاء بدل الكفاءة: يرى المؤلف أن الحاكم المستبد يحيط نفسه دوما بأشخاص غير أكفاء، لكن ولاءهم له هو الذي يهمه، حيث ربط هذا الأمر بقضية الجهوية في قول الحاكم لوزرائه: (أنا أعرفكم جميعا فأنتم من المنطقة التي شهدت مسقط رأسي، أنتم إذن عائلتي وأنا كلي ثقة فيكم.... أنتم تعلمون أنني اخترتكم لتولي مسؤوليات مهمة في هذه الجزيرة لا لأنكم أبناء قريتي ومنطقتي بل لأنكم أهل للمسؤولية.... أنتم إذن إخوتي وأخواتي، أنا اخترتكم لأنني أعرف مدى حبكم وإخلاصكم لهذه الجزيرة ومدى كفاءتكم وقدرتكم على خدمتها، وأنا أعلم أيضا أنه لو ترأس غيري هذه الجزيرة لما ولاّكم تلك المسؤوليات بل سيقدّمها لأشخاص آخرين غير أكفاء....).

7/ الخوف من فقدان السلطة: يعيش الحاكم دوما في خوف من أن يسقط من على كرسي الحكم، لذلك يمضي أيامه قلقا من أن يقوم أحدهم بانقلاب عليه، يقول حاكم الجزيرة مفتخرا: (... رغم كل أخطائي فأنا استطعت الحفاظ على الحكم واستمراره على الرغم من مختلف الدسائس والمشاكل المفتعلة التي كانت تحدث من وقت لآخر، لقد نجوت من الاغتيال ثلاثة عشر مرة، ومن الانقلابات مرّتين، لقد وقعت لي أربعة حوادث مرور نجوت منها بأعجوبة لا لشيء سوى لأنني أحتاط أكثر من اللازم، ولولا حيطتي لتمكن صهري الآن من الامساك بزمام الملك).

8/ زرع الرعب بين أوساط الشعب:  يتحدّث الروائي عن السيارات الداكنة التي تجوب الشوارع بحثا عن المعارضين للنظام لكي تلقي القبض عليهم، مع نشر الجواسيس في كل الأماكن، تقول احدى الشخصيات معبرة عن سخطها من سياسة التقييد المتبعة: (لقد شدّدوا الحصار هذه الأيام، إذ أنهم أصبحوا لا يطلقون أيّ شخص معتقل، والأدهى من ذلك أنهم ينكرون قيامهم بعمليات الاعتقال، وكأن الجن هم الذين يقودون تلك السيارات الداكنة)، وقد أطلق على السجن الذي يجمع  سجناء الرأي بمعتقل السحر الأسود، ( حيث لا يخرج منه أحد حتى وإن كان ميّتا)، واشتد القمع في الجزيرة إلى درجة أن (...المعتقلين لا يزجّ بهم في السجون وإنما يؤخذون إلى معتقلات سرية، أو أنهم يغتالون مباشرة وتوضع جثثهم في أماكن لا يصلها أي شخص..). وفوق ذلك يتفنّنون في طرق التعذيب، إذ يقدّم لنا الروائي نموذجا عن ذلك في قول أحد رجال البوليس لأحد المعتقلين: (...سنفككك قطعة قطعة وسنقطعك إربا إربا... إننا لن نقتلك...ستترجانا بأن نفعل ذلك لكننا سنجعلك تشاهد أطرافك وهي تبتعد عنك طرفا طرفا ..).

لقد قدّم المؤلف أحداث روايته بشكل رمزي تتأرجح فيه الأحداث بين السخرية والتراجيدية وبين السوداوية وفتحة الأمل التي تمثلها المعارضة الحقيقية، تلك المعارضة التي تعمل على توعية الشعب لكي يكسّر جدار الخوف الذي بنته السلطة، ويعمل على مسك مصيره بين يديه، حيث يختزل المؤلف تلك في الفكرة على لسان حميد وهو يخاطب أصدقاءه قائلا: (إخوتي وأخواتي، لقد وصلنا أخيرا إلى اللحظة الحاسمة، هناك من سيعتبرها تهوّرا وهناك من سيراها نجاحا، وآخرون سيعتبرونها حتمية، لقد سبق وأن شدّدنا على أن الثورة التي سيسقط فيها الكثير من الشهداء لا جدوى منها، لأنها ستعتبر إخفاقا، النجاح الحقيقي عندما تحقّق أهدافك بذكاء وبأقل الخسائر، الكل يتذكّر ما قام به آباؤنا بعد تنصيب الملك، وماذا حدث بعدها... لقد قضوا عليهم جميعا واضطهدت عائلاتهم... لقد حاولنا بمختلف الطرق إسقاط هذه السلطة الغاشمة المتسلطة علينا لكننا لم نكلّل بالنجاح لأننا وبكل بساطة لم نتوحّد، إنه السبب الوحيد لفشلنا، فالسلطة ما هي إلا مجموعة من الأفراد الذين ينتمون إلى أجهزة مختلفة، من السّهل جدا إزاحتهم، إذ لو توحّدنا جميعا لأمسكناهم كأرانب المزرعة، إذ لم يصلوا حتى إلى درجة الأرانب البرّية، فهم في حقيقة الأمر جبناء يتملّكهم دائما الخوف، الخوف من وحدتنا، لذلك كانوا يعملون جاهدين على المكوث في الحكم عن طريق تفرقتنا وبثّ الخصومات بيننا وتأجيج مختلف النعرات الجهوية، ومن جهة أخرى يقومون بترويعنا عبر الاختطافات والاغتيالات على أمل قلب معادلة الخوف، إضافة إلى ذلك كله يقومون بتفقيرنا وتجويعنا حتى يكون همّنا الوحيد هو البحث عن الرغيف الذي يسدّ حاجة يومنا.

من نفس القسم الثقافي