الثقافي
قصة مدينة وسيرة مقامر
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 30 أكتوبر 2019
في روايته ، "وشم على جدار العين"، يغوص الكاتب الليبي محمد عقيلة العمامي في القاع الاجتماعي لمدينة بنغازي ليستخرج مادة حكايته. العمل الذي صدر عن "مركز الحضارة العربية" في القاهرة أخيراً، هو الخامس في الرواية لصاحبه بعد "ليلة عرس الجمل"، و"تمر سيوة ولبن قرقارش"، و"كوامي ايايا"، و"حكاية وردة بنت شفيق".
ينطلق خط الرواية الدرامي في إحدى شوارع مدينة بنغازي العتيقة. يطل علينا البطل، هاشم، ليحكي عن طفولته ويفاعته وعن الأُسَر التي احتك بها وعايشها، من ليبيين وأجانب، في وقت كانت تعيش فيه المدينة فترتها الكوزموبوليتية المتسامحة.
يكتب العمامي، على لسان شخصيته، عن بنغازي تلك الأيام: "بإمكانك أن تشم في الشارع البنغازي الواحد، كوكتيلاً من الروائح العبقة الشهية، منبعثة من مطابخ عدة بيوت ليبية ويونانية وإيطالية ومالطية وشامية ويهودية وبلقانية وغيرها، وأن ترى في الشارع عدة أزياء شعبية وإفرنجية وغيرها، وكذلك تستمع إلى أغان من مختلف شعوب الأرض في زنقة واحدة.. نعم، كنا نعيش كرنفالاً يومياً تؤثته كل شعوب العالم".من حيّه العتيق، ينطلق هشام ليشق دربه في الحياة. يواصل دراسته، ثم يجد عملاً في إحدى الشركات التي تمنحه فرصة للسفر إلى دول قريبة، بهدف جلب بعض الاحتياجات، بصحبة لجنة من الموظفين الكبار، يتلاعبون بالمواصفات القياسية ويقومون بالتدليس والتزوير. هكذا، سيجد الشاب نفسه متورطاً في عالم من الفساد لم يكن ليعرفه، هو الذي تربّى على أيدي أسرة محافظة ينام أفرادها بعد صلاة العشاء مباشرة.
يغوص الكاتب في أجواء الحياة الليبية، وما صاحبها من تغيّرات سياسية واقتصادية واجتماعية في العقود الستة التي مضت. هكذا، سنجد أنفسنا في عالم ينضح بالفساد والزيجات التي ترتّبها المصالح، والظروف التي تضطر بعض شخصيات الرواية بسببها إلى ترك بنغازي والسفر إلى الخارج، هرباً من الإهانة، وبحثاً عن مستقبل يتيح لها تحقيق المال، والعودة بقوة إلى المدينة التي طردتها حينما كانت فقيرة. بهذا، تعري الرواية ما عاشته المؤسسات الاقتصادية الليبية، خصوصاً في مرحلة الديكتاتورية وقوانينها، من فساد وسرقات وبيع ذمم أخرّت البلاد وأعادتها إلى الوراء.
الحيز المكاني الذي تدور فيه أكثر أحداث الرواية هو ملهى قمار. يستدعي ذلك في ذهن القارئ، للوهلة الأولى، روايات مماثلة (أولها "المقامر" لدوستويفسكي)، تناولت جوانب من هذه الأجواء التي يعيشها مدمنو ألعاب المال والربح، من شد عصبي، وتتبع للسراب، وإقناع للنفس بالأمل في الفوز، والتورط ببيع أي شيء في سبيل مواصلة الغرق في المقامرة.باختصار، يريد الكاتب أن يقول في روايته إن الحياة لعبة الجميع، من الطبيعي أن تجد فيها من يربحون ومَن يخسرون، لكن، على الرابح ألا يتمادى كثيراً في طمعه، بل أن يعرف متى يتوقف ويغادر الطاولة، وكذلك على الخاسر ألا ييأس وأن يسعى إلى تعويض خسارته بكل الطرق المشروعة.