الثقافي
نيقولاي شافيينسكي: حياة لا تنتهي
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 22 أكتوبر 2019
هذه الرواية كتبها قارئ نهم. "الخالق" (الكتب خان) لأحمد شافعي هي في الأساس كتابة القارئ عن الكتب الوهمية وتلك الحقيقية، شخصياتٍ أعطاها الكاتب الحياة وأخرى أعادها إليها. هذا ما يجعلنا نقرأ العمل ككتلة واحدةٍ من دون الالتفات كثيراً إلى بداية كل رواية ونهايتها، كما يقسّمها شافعي.
"الخالق" هي ست قراءات صغيرة لراوٍ واحد، تبدأ بفصل "المستشار الثقافي" وبطله نيقولاي شافيينسكي، مسرحي وشاعر وروائي أيضاً في زمن الاتحاد السوفييتي. يتبع الراوي طريق حياة شافيينسكي، من المراهق العامل في المتحف، حتى الشاعر الذي يمثّل الاتحاد السوفييتي، وما لحق به من عواقب أدبية من جرّاء ذلك. ومن المقاطع الأولى، نفهم أنّنا أمام حكاية عن الفرد والدّولة، الثقافة والسلطة، الكاتب والكتابة. إنه موضوع قديم قدم الكتابة نفسها، وجديد جدّة أسلوب شافعي.
في "المستشار الثقافي"، شخصيّات مختلفة تعمل في الثقافة، شافيينسكي هو مركزها، بدءاً من الصحافي الذي يجري مقابلة معه لـ"باريس رفيو"، مروراً بمدير المتحف البائس الذي يحوّله في الليل إلى مسرح سرّي يجتمع فيه مع رفاقه ويخرجون مسرحيتهم ويمثلونها في الخفاء، وصولاً إلى "وكيل" الثقافة في موسكو، "القملة" في جسد الاتّحاد الذي يطلب من شافيينسكي كتابة قصيدة "منتفخة"، وهي بمثابة اختبارٍ وطني: أن يقف مواجهاً الجماهير ويلقي قصيدة رديئة أمامها وأمام مسؤولين سكارى، ويجعل من نفسه أضحوكة. الخطوة الأولى المنوطة بالشّاعر الشّاب، كي يبدأ حياته الثقافية مع السلطة، أن يتعلّم كيف يكون مهاناً.نفهم أن "شافيينسكي" لم يتقن مهمات من هذا النوع، في إشارتين. فقد كتب مذكّرات بعنوان "سنواتي في المنفى"، كما أن له رواية يتجاهلها أعداؤه ومحبوه، بعنوان "شاعر الرّفض المغوليّ"؛ رواية عن شقيق أحد قادة المغول "كان شاعراً، مارقاً على الدولة المحاربة التي قهرت شعوباً وأبادت إمبراطوريات كاملة، لكنها انهزمت أمام فرد. أم أمام شاعر؟".
هذه الفكرة يشتغل عليها شافعي في الروايات اللاحقة، يطوّرها إلى شخصيات أخرى: المنفصل، اللامنتمي، المنعزل، الغرائبي. يقول في موضع آخر من "الخالق": "إننا نولد أفراداً. لا أحد يصل إلى الدنيا في فوج سياحي. وانظر سموّك كم من الوقت يجب أن ننتظره لكي ينفرد الواحد منا بنفسه".
ننتهي من عمل "الخالق" ولا ينتهي شافيينسكي، لأن شافعي يبقيه حيّاً. قد نقول لأنفسنا إن اسم "شافيينسكي" هو في الواقع "شافعي" بلكنة روسية. كقرّاء، نفكّر بضرورة الإبقاء عليه كشخصية تنطق وتتهكم وتلذع، مثلما يفعل الكاتب نفسه على صفحته في فيسبوك.
يظل يضع الكلام على لسان شافيينسكي، وبدلاً من ليلة القسوة التي قرأ شافيينسكي فيها أمام الجمهور الضاحك، صار يضحك من الجمهور. إنه شاعر الرفض الضروري، اللامنتمي إلى جهة والمنتمي إلى كل مكان وزمان، الموجود في روسيا القرن العشرين وفي "دولة" زوكربيرغ في آن.