الثقافي

رواية سعودية أُخرى باسم مستعار

الكتابة عن سلام عبد العزيز يعني الكتابة عن المجهول. حياة مزدوجة تلك التي تعيشها الكاتبة السعودية: الأولى باسمها الحقيقي، المغفل، والأخرى بهذا المستعار الذي توقع به أعمالها.

امتداداً لرحلة المجهول هذه، ترسم عبد العزيز في روايتها الثانية "دحرجة الغبار" (دار الساقي) حياة مضطربة في مدينة متخيّلة اسمها سيّان، لتسرد معاناة بطلتها، قبس، الهاربة من كل شيء؛ حيث تشكّل مفاصل الموت والفقدان سير العملية السردية، التي لا يحضر الذكَر فيها إلا في نقيضيه، فإما هو منتهى العذاب، أو منتهى السعادة.

الزمن هلامي في حياة قبس، وهذا ينعكس على أسلوب سرد الأحداث. إذ إن كل شيء يحضُر بصورة مفكّكة، مشتّتة، ثم يتداخل مع بعضه. كأن مدينة سيّان لا تخضع لقوانيننا ولفيزياء الطبيعية، إذ "كل السيّانين من الماء إلى الماء، ومن الآه إلى الآه".

سكان المدينة محكومون، إذاً، بالوجع الذي يقاس بالقدرة على الاحتمال. الأنثى مهدورة، هنا، ولا صوت لها، في الوقت الذي يُقاس فيه الزمن بمقدار القطيعة مع الكون، وبمقدار الخسارات التي تحلّ بالمرأة.مدينة سيان الوهمية يمكن أن تكون مدينة عربية حقيقية، كما تقول الراوية، التي تتخلل سردها صرخات من الربيع العربي، وأصداء موت واعتقالات. كل هذا القمع، مع ذكورية المجتمع، يحلّ فجيعة على حياة قبس، التي يتحول الربيع، بالنسبة إليها، إلى خريف، بينما لا يحول أي شيء دون وقوع المرأة بين أيادي الذكور وقبضاتهم المحكمة عليها.

زمن السرد هو "الآن"، بصيغة المتكلم. وما سنكتشفه في نهاية النص هو أننا ما كنّا نقرأ إلا مذكرات قبس، التي تلفحها نفحات نوستالجيا، تمر بها حين تستعيد طفولتها، أو حين تتخيّل أخاها عبد اللطيف. الذاكرة مشتّتة ومفكّكة، واللغة، نفسها، تفيض بالذكريات، إذ إن الكلمات محمّلة بالعاطفة، وكل ما يقال هو جرح في جسد امرأةٍ ما.تبدو الرواية كتعويذة طويلة تراوح بين واقع الحدث والهذيان. فما بين أحداث صارخة، كحرْق قبس زوجَها، في بداية الرواية، ومحاكمتها وإدانتها بالموت، في نهايتها، ثمة لغة لا تغادر عوالم الحلم، التي تخرج إليها قبس من جحيم عالمها الخاص، هي التي تسكن في"أحقر" حي سكني، محاطةً بنساء يبعن الحنّة والمقوّيات الجنسية.

تنحو صاحبة "العتمة" إلى العجائبية في صيَغها السردية. فـ"أناجا" الآسيوي يستخدم السحر ليغوي النساء كي يخضعن لمعلّمه، هلال. هذا الفتى الآسيوي، إلى جانب معلمه، يضاف إليهما زوجها، هم المعادل للذكر/ الجحيم في النص، والذي لا يقابله إلا الضد، الذكر المبالغ في إنسانيته، والذي يمثّله يوسف البار، حبيب البطلة، وزوجها الثاني، الذي سيصعق بالحكم الصادر في حقها، ويقف عاجزاً أمامه.هكذا، تتداخل الرواية بين هذه العوالم الخرافية، مع ما هو صوفي وديني، لتتشابك ألعاب الشاب الآسيوي، بنصوص النفري، مع اقتباسات من القرآن، في لعبة سردية تشكل المرأة، بمظلوميتها، طرفاً فيها.

من نفس القسم الثقافي