الثقافي
أرجوزة علي بن الجهم: تاريخ في 333 بيتاً
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 09 أكتوبر 2019
تظلّ العودة إلى نصوص التراث العربي القديم منطقة أساسية في ثقافتنا، ورغم تقلّص جهود التحقيق في العقود الأخيرة، أو انحسارها في دوائر أكاديمية ضيقة، يمكن القول إن جزءاً كبيراً من التراث القديم قد وصل إلى القارئ العربي المعاصر ويعود ذلك بالأساس إلى جهود مثقفي النصف الأول من القرن العشرين.
رغم التراجع، بقي تحقيق التراث هاجساً راهناً، ومن ذلك صدور "أرجوزة في تاريخ الخلفاء" للشاعر العباسي علي بن الجهم (803 - 863 م) بتحقيق الباحث يوسف السناري، مؤخراً عن "معهد المخطوطات العربية" في القاهرة، والذي يتضمّن قصيدة طويلة من 333 بيتاً، نُظمت على بحر الرجز.
يعود تحويل الأراجيز إلى أغراض غير شعرية مثل التاريخ واللغة إلى القرن الثالث الهجري، مع ظهور شعراء كان بن الجهم أوّلهم بحسب محقّق ديوانه الشاعر السوري خليل مردم بك (1895-1958)، ثم تتابعت المؤلّفات في هذا المجال مع كتاب "أرجوزة في تاريخ المعتضد" لعبد الله بن المعتز، و"أرجوزة ابن عبد ربه" في القرن الرابع، و"الذخيرة بمحاسن أهل الجزيرة" لأبو طالب عبد الجبار بن عاصم، و"نظم السلوك في ذكر الأنبياء والخلفاء والملوك" لعبد العزيز الملزوزي وغيرهم.
تتضمّن الأرجوزة التي راجعها الأكاديمي عمر خلّوف أسماء الأنبياء والملوك والخلفاء منذ آدم إلى عصر الخليفة المستعين بالله الذي عاصرَه الشاعر، وقد أُثبتت نسبتها إليه في كتب البلخي والمسعودي وياقوت الحموي، وتوجد إحدى أقدم نسخها في مكتبة المسجد النبوي وهي غير كاملة، حيث حذفت منها الصفحة الأولى.
إضافة إلى ثلاث نسخ أخرى وقف عندها المحقّق لتصويب أخطائها والتعليق على بعض ما جاء فيها؛ الأولى موجودة في "مكتبة لاله لي" في تركيا، والثانية متوفرة في "مكتبة تشيستر بيتي" في دبلن، والثالثة نشرها "المجمع العلمي العربي" في دمشق عام 1951 بعنوان "المحبرة في التاريخ".
يتناول السناري بعض الأخطاء والمثالب التي شابت الأرجوزة كما أشارت إليها المراجع التاريخية مثل المرزباني في كتابه "معجم الشعراء"، حين ذكر عبوب بن الجهم في تركيب اللفظ وبنائه في عدد من المفردات، واستخدامه ألفاظاً لم ترد في المعجم القديم مثل الفعل "فدم"، واستخدام أفعال لازمة باعتبارها متعدية، ونعته السيف بالصفيح بدلاً من الصفيحة والمبتر عوضاً عن البتّار.
لا يمكن القول إن علي بن الجهم التزم الدقة في نقل أخبار الخلفاء والملوك، إذ يظهر معارضته للعهد الأموي، حيث كان ذلك شائعاً أثناء حكم العباسيين حيث يغلب على مدوّنات عصرهم انتقاد الأمويين واتهام بعضهم بالفساد والظلم والبطش والمحاباة.
يرد في مفتتح الأرجوزة "يا سائلي عن ابتداء الخلق/ مسألة القاصد قصد الحق/ أخبرنا قوم من الثقات/ أولو علوم وأولو نهاة/ تقدّموا في طلب الآثار/ وعرفوا حقائق الأخبار/ وفهموا التوراة والإنجيل/ وأحكموا التأويل والتنزيل/ أن الذي يفعل ما يشاء/ ومن له العزة والبقاء/ أنشأ خلق آدم إنشاء/ وقدّ منه زوجه حواء".