الثقافي

نيكولاي نوفيكوف.. يوميات دبلوماسي روسي في بلاد العرب

في سنة 1943، سيحل الدبلوماسي الروسي نيكولاي نوفيكوف، بمصر، مبعوثا للاتحاد السوفييتي، آنذاك. ونتيجة لمعرفته بأحوال المشرق العربي، فقد ساهم بشكل جلي في تكريس الوجود السوفييتي في مصر وسورية ولبنان، وفي فترة مهمة من التاريخ العالمي، حيث أتون الحرب العالمية تنفث نيرانها، مخلفة مئات آلاف القتلى، وهي الفترة التي عرفت استفاقة للاتحاد السوفييتي بعد هزيمة ألمانيا في معركة ستالينغراد.

وقد صدرت مذكرات نوفيكوف مترجمة إلى العربية، عن منشورات كتاب الأهالي، بعنوان "يوميات دبلوماسي في بلاد العرب، حقبة غامضة من التاريخ المصري"، وهو كتابان في الأصل، الأول يحتوي مذكرات نوفيكوف، كأول سفير لموسكو في القاهرة، والثاني، هو مذكرات لآخر سفير في عهد الاتحاد السوفييتي فلاديمير فينوجرادوف، قبل أن تتدهور العلاقات بين القاهرة وموسكو.

وسنقتصر على الجزء الأول من الكتاب، والذي يحوي مذكرات نيكولاي نوفيكوف، والتي ترجمها جلال الماشطة، لأهميتها الخاصة ورقة أسلوبها، وطرافة مشاهداتها، والتي ترفعها من مستوى المذكرات السياسية إلى درجة كتاب رحلة، لا ينفك يسيح بالقارئ في هذا صلب العالم العربي الذي تمثله مصر، زمن التحولات الكبيرة والعاصفة.سيأتي نوفيكوف في هذه الأجواء المشحونة إلى مصر، بعدما أمضى خمس سنوات في الجهاز المركزي لمفوضية الشعب للشؤون الخارجية (وزارة الخارجية)، ولم يكن هذا الاختيار وليد صدفة، بلد جاء بعد مخاض طويل في الحزب الشيوعي، واستقر الرأي أخيراً على أن يذهب نوفيكوف إلى القاهرة بدل باريس أو لندن.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول من سنة 1943، وصلت موافقات تعيينه من ملك مصر "فاروق الأول"، وملك اليونان، جورج الثاني، وملك يوغسلافيا، بطرس الثاني، ذلك أنه جرى تكلفيه بكل هذه المساحات الجغرافية للإشراف عليها دبوماسيا.

وقد تزامن وصوله إلى القاهرة مع صراع سياسي كبير بين حاشية الملك فاروق وحزب الوفد بزعامة النحاس باشا، يقول "لعل من المستحيل أن نجد في مصر كلها آنذاك، شخصا يمقته الملك الشاب الطامح إلى أن يكون قيصرا، أكثر مما يمقت مصطفى النحاس باشا، الذي بادل الملك مشاعر مماثلة، ولعبت الدبلوماسية البريطانية هذه الورقة بمهارة، فقد لجأت إلى أسلوبها القديم المجرب طوال قرون، أي أسلوب: فرّق تَسُد".مما لا شك فيه أن جوا سياسيا بهذا المستوى من الحدة داخل أعلى السلطات في مصر، والصراع بين الملك والنحاس، وحملات التطهير التي قادها هذا الأخير، والتي مست أيضا أمراء في البلاط، والتدخل البريطاني السافر في المشهد السياسي المصري، كل هذا سيكون بالنسبة لدبلوماسي في عهد الاتحاد السوفييتي، مادة خصبة للعمل، وربما تشكل هذه اليوميات محفلا مهما من الانطباعات والأحكام السياسية والاجتماعية والثقافية، وشهادة حول مصر تلك الفترة، بعين أخرى، عين خبير دبلوماسي متخصص، استطاع أن يجعل من مقر سفارة موسكو في القاهرة بؤرة لعمل كبير جدا، سيكون له ما بعده.

ينطلق نيكولاي نوفيكوف من مقولة أن "الشرق والغرب يلتقيان في القاهرة"، ويفسر الأمر على الشكل التالي "لعل هذه العبارة تعكس، من زاوية معينة تفرد القاهرة في ذلك الحين. ففي هذه المدينة التي يقطنها آنذاك، مليونا نسمة، التقى الشرق القديم والشرق العربي مع الغرب في كل خطوة، ولا أقصد بذلك طبعا (الصلات) مع الإمبريالية البريطانية، ممثلة بمؤسساتها الاستعمارية، وجنود حاميتها التي رفدت في زمن الحرب بوحدات من الجيش. لقد تركت الحضارة الغربية بصماتها في أشكال أخرى، تظافرت مع السمات المميزة لحضارة الشرق، مضفية على العاصمة المصرية طابعا كوسموبوليتيا".

من نفس القسم الثقافي