الثقافي

في الذكرى الـ 92 لميلادها: سميرة عزام من رائدات التنوير في فلسطين

حملت أعمالها مدادا مترعا بالحزن والأسى والذكريات المرّة والانكسار واستشراف الفرح

احتفاءً بذكرى ولادتها الـ92 شكّلت سميرة قيصر عزام (1927-1967 ) بعمرها القصير صوتا تنويريا نسويا رائدا في حركة النهضة في فلسطين، وزهرة فوّاحة في حديقة القصّة العربية، كما شكّلت أعمالها القصصية المحمولة بأصوات النساء والهادلة بتحرّر المرأة ومساواتها بالرجل، والمكرّسة للمتعبين والمهمّشين في الحياة مشكاة القصة القصيرة الفلسطينية.

بتاريخ 31 جانفي عام 1947 نشرت سميرة عزام وهي في العشرين ربيعا مقالة جريئة في مجلة «المنتدى» الفلسطينية بعنوان «المرأة بين عهدين» عالجت فيها تطوّر النهضة النسائية الفلسطينية بعد التهميش والإقصاء، بتحليل وبرؤية علمية ورد فيها «فالمرأة منذ مدة ليست بالطويلة، لم تكن شيئا مذكورا في النهضة العامة، بل لم تكن شيئا على الإطلاق. فقد كانت تعيش بين جدران الحريم مغلّلة بقيود من الآراء والتقاليد السخيفة، يخيّم عليها جو من الجهل والخرافات، والعالم حولها يدور صاخبا يفيض بالنشاط والنضال، بينما فرض عليها أن تحيا في خمول مطبق لا عن كسل غريزيّ، بل لأنّ موجات من الآراء الرجعية كانت تكتسح كل بادرة من بوادر النهضة، فلم تكن تملك ـ والحالة هذه – سوى الانطواء على نفسها، والانزواء في زاويتها محاولة إقناع نفسها بتلك الحياة المحدودة الرغبات ـ إن صحّ أن تسمّى حياة «، كما دعت الكاتبة إلى تثقيف المرأة لأنّها لن تكون شريكة حقيقية للرجل ما لم ترتفع إلى مستواه، فتتثقّف مثله وتصبح صنوا له في كافة الحقوق وإن كان الرجل من منظورها في بلادنا لا يزال محروما من أكثر حقوق الرجل الواعي، وختمت مقالها بالفكر النيّر القائل بأنّ تحرّر المرأة هو معيار لتحرّر المجتمع واستشرفت مستقبل لمرأة الفلسطينية فخطّ يراعها «وهي تدرك تماما أنّها ما زالت في نصف الطريق غير أنّ إيمانها الشديد برسالتها وحماستها المتدفّقة لتأديتها كفيلان بإيصالها إلى ما تبقّى من حرية تكون أساسا لحرية الشعب»، هذه الشذرات الفكرية التحرّرية المكتوبة قبل سبعة عقود ونيّف تشكّل مانيفستو تحرّريا للمرأة الفلسطينية في زمن القحط والجدب.

أصدرت سميرة عزام مجموعتها القصصية الأولى «أشياء صغيرة» عام 1954، والقصّة القصيرة الفلسطينية بعد في القماط من حيث المعمار الفنّي والنضوج الموضوعيّ، ثمّ أصدرت مجموعات أخرى «الظل الكبير» 1956، «وقصص أخرى» 1960، «الساعة والإنسان» 1963. وبعد وفاتها صدرت لها مجموعتان» «العيد من النافذة الغربية»1971، و« أصداء» 1997. في قصصها الاجتماعية الغائرة في أعماق النفس، التي تشكّل مرايا عاكسة لحياة الناس، تتراءى المرأة المقموعة والمشظّاة في المجتمع الذكوري وطقوسه المهلّلة للرجل، فقصّة « نصيب» تصوّر انسياق زواج ابنة المدارس العصرية بمن لا تحبّ، بتأثير أمها وصويحباتها بذريعة النصيب الذي تنعته الكاتبة «مخدر مسلوبي الإرادة»، وعبثا حاولت العروس الثورة والرفض يوم زواجها في طقس صلاة إكليلها، حين أجابت بالرفض على سؤال الكاهن «تريدين فلانا زوجا لك؟». صيحتها هذه لم يسمعها أحد لا الكاهن ولا الناس، فقد ابتلعتها أصوات الحناجر الصادحة والمهلّلة سلفا لزواجهما. وفي قصة «ستائر وردية يحضر أبو خليل المزواج، الذي تزوّج أكثر من عشر نساء، وظل بيته يعمر بالزوجات ويفرغ، وقد وخزته الكاتبة بسخرية مرّة حين نعتته «ذوّاقة نساء، ولكن في الحلال». وفي قصة «الغريمة» تبرز إرهاصات التكنولوجيا الصادمة التي صادرت سعادة الإنسان، فالزوج يضرب زوجته، التي فصلت من عملها بعد أن حلّت الآلة محلها، أي أنّ «غسالة الكهرباء» سلبتها رزقها في المدينة. هذه الصور للرجل القامع وقنّاص النساء تتكرّر في قصصها، ففي «الظل الكبير» محاضر وكاتب يستدرج صبية إلى صومعته للنقاش الفكري، وهناك يهوي على فمها بقبلة ويطلب منها الابتعاد عن الفلسفة والسفسطة ووجع الرأس، وهي التي سايرته مستسلمة تمسح دموعها وتخرج من صومعته مشحونة بالرفض في عتمة المساء.

حمل يراع سميرة عزام بفعل إسقاطات النكبة الفلسطينية مدادا مترعا بالحزن والأسى والذكريات المرّة والانكسار وفي الوقت نفسه حمل استشراف الفرح وأمل اللقاء بين شطري البرتقالة.

قصة «سأتعشى الليلة» تحمل نزعة إنسانية اتجاه المعاقين جسديا، وتحتفي بنجاحهم في الحياة، فهي تبرز إرادتهم وقدرتهم في العمل والشموخ، وتدحض الصورة النمطية الدونية التي يحملها المجتمع تجاههم، فهم بتشكيل الكاتبة لا يريدون الشفقة وتوسل الصدقات إنّهم عصاميون حتى النخاع .

القسم الثقافي

من نفس القسم الثقافي