الثقافي

"الأحزاب السياسية في سورية": في كتابة التاريخ الشفوي

لعلّ من أهم سمات البحث العلمي القائم على أسلوب التاريخ الشفوي أن يلجأ المؤرخ إلى سرد ما ترويه له مصادره في جولاته الميدانية، ما يفرض إدخال أسلوب سرد الحكاية الواقعية الإخبارية وهو ما يتيح إجلاء الوقائع وجذب القارئ إلى متابعة القراءة من دون أن يبتعد المؤرخ عن المنهج العلمي أو يجافي الحقيقة التاريخية.

ذلك ما اتبعه الباحث عبد الله حنا في كتابه "صفحات من تاريخ الأحزاب السياسية في سورية القرن العشرين وأجواؤها الاجتماعية" الصادر عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات" (2018).

الجديد الذي يقدّمه الكتاب هو أنه لم يكتب التحوّلات التاريخية السورية الكبرى فقط، وإنما اهتم بإعادة رواية السرديات الصغيرة التي طمسها التاريخ في أرقامه ونقاشه للسرديات الكبرى، وذلك من بين المزايا التي يقدمها التاريخ الشفوي باستعادة أصوات من لا أصوات لهم.

كما يقدّم إضافة في حقل الأرياف السورية وتطوّرها تتمثّل في مقارنته بين السخرة الإقطاعية والسخرة البيروقراطية باعتبارهما شكلاً من أشكال العبودية المقنعة. وتمثل هذه المقارنة تطوّراً عن كتاباته السابقة بتشبيه الخدمة عند أصحاب النفوذ المستغلين لمناصبهم الحكومية في هذا الزمن بحكم الفئات الإقطاعية الحاكمة قبل تشكل الدولة الوطنية السورية.

وبشكل عام، قدّم الباحث مساهمة حديثة بتتبعه تاريخ الأحزاب الاجتماعي وما نجم عنها من تعثر قيام الدولة الحديثة وأحزابها لمصلحة سلطة دولة تأخذ من الحداثة ما يسهل عليها عملية بسط هيمنتها من جهة، وتنهل من التراث الاستبدادي ما يحلو لها، لتعيد بذلك إنتاج الاستبداد بأشكال وأنماط وأزمنة مختلفة.

يقصد الباحث بالأجواء الاجتماعية البنى الاجتماعية للحزب السياسي وجانبها الطبقي. 

تضمّن الكتاب كما يشير عنوانه، محورين، هما تاريخ الأحزاب السياسية في سورية وخلفياتها الاجتماعية التي ساهمت في تشكل الأحزاب السياسية، إضافة إلى تشابكها مع الأحداث التاريخية في سورية. ولا يُغفل الكتاب العوامل السياسية والفكرية ونشاطها، لكنه يشدد على العلاقات الاقتصادية - الاجتماعية في كشف الستار عن تأثيراتها في البناء الأيديولوجي للأحزاب السورية.

احتوى الكتاب 22 فصلاً وستة ملاحق، عالجت قضايا تشكل أهم الأحزاب السياسية السورية وخلفياتها الاجتماعية والاقتصادية قبل الاستقلال وبعده. إضافة إلى العوامل المؤثرة في تحجيم الحراك السياسي الحزبي في العقود الأربعة الأخيرة من تاريخ سورية.

كما يلقي الضوء على المشهد الإسلامي في سورية وقضاياه. وبناء على هذا الجهد البحثي، وجد المؤلف بأن الأحزاب السورية ما أن تشكلت، حتى اصطدمت بحاجزين حدّا من انتشارها وتجذرها في بنية المجتمع السوري، هما حاجز الدولة السلطانية المهيمنة في العالم العربي بشكل عام، وحاجز المجتمع الأهلي، ويقصد به هنا المجتمع القائم على الولاءات غير المدنية (العشائرية والطائفية)، وهي من ظواهر مجتمعات ما قبل الدولة الحديثة. لكن الدولة الوطنية بعد الاستقلال وأحزابها، استطاعت اختراق المجتمع الأهلي، وتغيرت التركيبة الاجتماعية للحياة الحزبية في سورية إلى حد ما.

من نفس القسم الثقافي