الثقافي

سيفا فايدياناثان.. عن فيسبوك وغزو البلهاء

"وسائل التنافر: كيف يسهم فيسبوك في قطع العلائق بين الناس ويقوّض الديمقراطية؟" (منشورات جامعة أكسفورد)، كتاب صادر حديثاً، وفيه نقد عميق لعملاق وسائل التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، حيث يشرح مؤلفه سيفا فيدياناثان ما يدعوه بـ "التهديد الذي تمثله هذه المنصة الأشهر على البشرية".

يقترح الكاتب في فصول العمل السبعة كيفية ترويض فيسبوك، واتقاء شرّه. ويقدم الكتاب عدداً من المقترحات لمواجهة المشاكل التي تأتي من وسائل التواصل الاجتماعي وتؤثر على مجتمعاتنا.

يفتتح المؤلف كتابه بمقدمة مثيرة يقول فيها: "إن كنت ترغب في بناء آلة من شأنها أن تنشر الدعاية لملايين الأشخاص، وتشتت انتباههم عن القضايا المهمة، وتعمل على تغذية الكراهية والتعصب، وتساهم في تآكل الثقة الاجتماعية، وتقوّض الصحافة المحترمة، وتشجع الشكوك في العلوم، وتنخرط في مراقبة شاملة للبشر، فإنك حتماً ستصنع شيئاً يشبه فيسبوك تماما".

ويبدو أن مقدمة المؤلف أعلاه تتساوق مع قول ينسب للفيلسوف والروائي الإيطالي الراحل أمبرتو إيكو: "إن أدوات مثل تويتر وفيسبوك تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى ممن كانوا يتكلمون في الحانات فقط بعد تناول كأس من النبيذ، من دون أن يتسببوا بأي ضرر للمجتمع، وكان يتم إسكاتهم فورا. أما الآن فلهم الحق بالكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل.. إنه غزو البلهاء".في المقابل، فإن فيسبوك ورغم تلك الصورة التي يرسمها له المؤلف ما يزال يحظى كل يوم بمتابعين جدد، فعلى الرغم من انتهاكه الخصوصية، ومن طفح صفحاته بالأكاذيب والشتائم، ومن الانتقادات الحادة الموجهة له من السياسيين والصحافة، يستمر فيسبوك في امتصاص قدر هائل من وقت الإنسانية واهتماماتها.

وقد أظهر أحدث تقرير للشركة، صدر بعد فضيحة "كامبريدج أناليتيكا" وحملة "ألغوا فيسبوك" أن المنصة جذبت ملايين الأعضاء الجدد وارتفعت لديها مبيعات الإعلانات.

يقدم مؤلف الكتاب الأستاذ في جامعة فيرجينيا سيفا فايدياناثان محاسبة كاملة ودقيقة لخطايا فيسبوك، وسيكون معظم هذا النقد مألوفًا لأي شخص يتابع أخبار فيسبوك. ولكن ما يميز الكتاب بحسب الصحافي الأميركي نيكولاس كار مؤلف كتاب "الضحالة: ماذا تصنع الإنترنت بعقولنا؟" هو مهارة المؤلف في وضع ظاهرة وسائل التواصل الاجتماعي في سياق أوسع - قانوني وتاريخي وسياسي. 

يضيف كار أن "انتقاد المؤلف لفيسبوك حاد، بيد أنه متوازن... لقد كشف عن بعض المزاعم الأكثر تطرفًا حول تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الرأي العام".وبعد صياغة المؤلف لسؤال الكتاب في المقدمة، يصف في الفصول التي تلي ما سماه بخطايا فيسبوك، مفصلاً الآلية التي يعبث بها في عقول البشر، خاصة ما يتصل بالمتعة والمراقبة والانتباه والاحتجاج والسياسة والتضليل.

يقدم المؤلف بعض الحلول، ولكنها ليست تلك التعديلات البسيطة التي يقترحها فيسبوك، ويعترف أنه لا توجد وسيلة في هذه المرحلة تعمل على إعادة صياغة نظام أساسي يكافئ التفاعل السريع أو العاطفي أو الضحل أو يهدئ المحتوى، ويضمن أن ملياري شخص هم سكان دولة فيسبوك يمكن أن يحسِّنوا من سلوكهم بأنفسهم.ويقترح المؤلف "نحن بحاجة إلى دعم المؤسسات التي تولد المعرفة وتطوير المنتديات الممولة من القطاع العام للمناقشة والتداول. نحن بحاجة إلى تدخلات حكومية يصعب تخيلها في الوقت الحالي، ولكن ليس من دون سابقة تاريخية. نحن بحاجة إلى العمل عبر الحدود لجعل هذه الخطوات متعددة الجنسية إن لم تكن عالمية... ونحن بحاجة للقيام بذلك في وقت قريب".

ينقلنا المؤلف في الفصل الأول إلى مشهد بات مألوفاً لدينا تقريباً، وهو تشبث المسافرين على متن الطائرات بهواتفهم النقالة، أو تسمرهم أمام الشاشات المثبتة على مقاعد الطائرة. ويذكر أنه تعمد في إحدى سفراته الطويلة أن يتلصص على الركاب ليرى ماذا يشاهدون أو يفعلون، فكان أن وجد أن الجميع تقريباً منشغل بلعبة " كاندي كراش" التي دشنها فيسبوك منذ بداية الرحلة وحتى نهايتها. ويتساءل الكاتب ما الذي توفره تلك اللعبة؟ هل ثمة فائدة أو سعادة ما يحصل عليها اللاعبون؟ أم هي متعة عابرة؟

من نفس القسم الثقافي