الثقافي
مسرحية «نوح الحمام»… محاولة باهتة لاختلاق بطل أسطوري
تعرض ضمن الدورة الـ (12) للمهرجان القومي للمسرح المصري
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 28 أوت 2019
تأتي الدورة الـ (12) للمهرجان القومي للمسرح المصري، التي تعقد حاليا، كعادة الدورات السابقة، في إشراك العروض التي تمت خلال العام، بغض النظر عن مستواها الفني، فقط أغلب هذه العروض تم إشراكه في فروع المسابقة المختلفة، خاصة عروض مسارح الدولة. وبخلاف بعض الندوات النقدية فالحال كما هو عليه. ومن ضمن عروض المهرجان يأتي العرض المسرحي «نوح الحمام». من إنتاج مسرح الطليعة، وأقيم بقاعة صلاح عبد الصبور. أداء.. سوسن ربيع، ياسر عزت، نشوى حسن، أحمد مجد الدين، إيناس المصري، إبراهيم البيه، أكرم مصطفى. موسيقى محمد حمدي رؤوف، ديكور فادي فوكيه، إضاءة عمرو عبد الله، ملابس شيماء محمود. العرض تأليف وإخراج أكرم مصطفى.
في مكان ما في قرية صغيرة في صعيد مصر، وبدون زمن محدد تدور أحداث العرض. حول شخص يدعى (وطني)، حيث يتم نسج حكايات الشخصيات حول وطني ومدى تأثيره عليهم، ولا تدري هل بالحكي تكتمل صور الشخصيات؟ أم صورة وطني التي تكاد تقارب الأسطورة، خاصة وهو يحمل عدة صفات ــ حسب وجهة نظر الشخصيات ــ يبدو التناقض سمتها الأولى. عاشق وخائن لزوجته، قاتل وفي الوقت نفسه يحقق العدالة وفق طريقته أو إرادته. ومن البداية وحتى نهاية العمل فقط يظهر وطني من خلال الحكي، بدون أن يأتي، رغم الرغبات والأسباب المتعارضة لانتظاره، ونتيجة هذا المجيء المرجو من الجميع. فضابط الشرطة على سبيل المثال ينتظره ليرد الإهانة، ولكن وطني في الوقت نفسه أنقذ حياة الضابط من الموت المؤكد. وآخر قتل وطني عمه وشقيقه، وينتظره ليثأر منه، بدون أن يدري هل سيستطيع أن يفعل ذلك حقاً أم لا؟ وامرأته تنتظر زوجها الحنون رغم يقينها بخيانته لها، وكذلك عشيقته التي تتباهى بكونها كذلك، وتتخيله بديلاً لزوجها عند ممارسة الحب، أما الأم فتراه فارساً ورجلاً صالحها به الزمن، رغم كل الموبقات التي تعلمها جيداً عنه. وما بين الرحمة والقسوة نتعرّف ملامح هذا الرجل، الذي بغيابه تتأصل الأسطورة.
الحكاية في ظاهرها مثيرة ومُشجعة على التأويل، خاصة في وجود شخصية غائبة لها كل هذه السيطرة على الجميع والتحكم في مصائرهم، بينما هم فقط ينتظرون. الأمر أشبه بحالة (جودو) لكنه هذه المرّة من الصعيد.
انقسمت خشبة المسرح إلى ثلاثة أماكن تتبادل الحكي، ومن خلال الإضاءة يتم الانتقال من حكاية إلى أخرى، وبالتالي من شخصيات تنسج موالها العبثي الذي اقترب كثيراً من الثرثرة عن البطل الغائب.وبما أننا في الجنوب، فلابد من تنويعات غنائية من البيئة، عن الغياب والنواح والعديد. والأهم من ذلك لابد من كلمات وأمثولات تدّعي الحكمة، فلابد من البلاغة حتى يصبح الكلام مهماً، وتتوالى القصص والحكايات بما أننا نثرثر وننتظر، نذكر منها .. قصة رجل أحس بدنو أجله فأوصى أبناءه الثلاثة أن يحرقوا جثته وينثرون رمادها بين البر والبحر، فيبعثه الله ويسأله عن سبب تلك الوصية فيجيبه بأنه خائف من مواجهته لكثرة ذنوبه، فيعفو الله عنه. والأم تحكي عن شجرة في السماء وارفة الأوراق وتحمل كل ورقة اسم واحد منا، والذي تسقط ورقته ينتهي أجله ــ يعني أي حاجة في أي حتة ــ بخلاف لحظات التأمل والاستغراق في التفكير الذي يطول الشخصيات كثيراً، ليضيف زمناً رتيباً لإيقاع أصبح أكثر رتابة.
انقسمت خشبة المسرح إلى ثلاثة أماكن تتبادل الحكي، ومن خلال الإضاءة يتم الانتقال من حكاية إلى أخرى، وبالتالي من شخصيات تنسج موالها العبثي الذي اقترب كثيراً من الثرثرة عن البطل الغائب. هناك البيت الذي يجمع الأم والزوجة والعشيقة، والطريق الذي يجمع ما بين المنتظر أخذ الثأر وصديقه الأبكم، وفي الأخير الخمارة ــ أشبه ببارات المدينة، بدون أن تمت لخمارات القرى ــ التي تجمع بين النادل وضابط الشرطة الذي تم طرده من الخدمة. وعن طريق التنويع بين الأماكن/اللقطات تتواصل حالة الحكي أو السرد حول الفنان جودو الوطني.
بغض النظر عن الثرثرة وحالة الملل ــ الإيحاء بحالة الانتظار لا يعني ترهل الإيقاع ــ تبدو حالة التوقع التي تحيط بالأحداث، فما أننا في صعيد مصر، فلابد من اختلاق حكايات بليغة ومحاولة اختلاق أساطير. فماذا لو كان الحدث في المدينة أو إحدى الحارات الشعبية؟ الأمر الآخر هو ثرثرة النسوة، والتي لابد وأن يكون محورها الرجل البعيد والمرأة المهجورة والمنتظرة على الدوام، إضافة إلى أبكم القرية ــ المجذوب عادة ــ الذي يعرف كل شيء ولا يستطيع أن يفعل شيئاً. والأدهى من ذلك أن السيد (وطني) لم يأت، كأسطورة باهتة حاول الجميع تأصيلها بلا جدوى مثل انتظاره.
الوكالات