الثقافي

فولفغانغ شتريك.. ما تبقى من الديمقراطية

النظر إلى الرأسمالية باعتبارها "نظاماً اجتماعياً من نوع خاص"، والعلاقة بين الديمقراطية والرأسمالية، ومستقبل السوق والدولة، من الضرائب إلى المديونيات ثم الاتحادات الاقتصادية، ثيمات مختلفة من كتاب الأكاديمي والباحث الألماني فولفغانغ شتريك "شراء الوقت.. الأزمة المؤجلة للرأسمالية الديمقراطية".

الكتاب - صدر عن دار "صفصافة" بترجمة علا عادل - هو في الأصل سلسلة محاضرات كان شتريك (1946) قد قدّمها سنة 2012 في فرانكفورت بعنوان "محاضرات أدورنو"، وفيها يضع الباحث الأزمة الاقتصادية التي اجتاحت العالم في 2008 في سياق التحولات النيوليبرالية التي سببتها رأسمالية ما بعد الحرب في السبعينيات. ويحلّل تبعات هذه الأزمة والصراعات التي تلتها بين دول وحكومات ومرشحين ومصالحهم الرأسمالية، وكل ما خلقته من تضخم ومديونيات عامة وارتفاع مديونية القطاع الخاص وضرائب واتحادات، كما يحلّل الكاتب أزمات المصارف، تمويل الرأسمالية، القومية، الحكومات القومية وعلاقة كل هذا بالديمقراطية.. إلخ.

يتعامل الكتاب مع مبحثين رئيسيين؛ الأول هو الصيغ المصيرية لأزمات الرأسمالية، والعلاقة بين الديمقراطية والرأسمالية منذ السبعينيات إلى اليوم، حيث يعتقد شتريك أن الرأسمالية الديمقراطية تعاني من أزمة شرعية، وهذه الأزمة مصدرها ليس العمال والأجور (بحسب مدرسة فرانكفورت)، بل رأس المال نفسه، وهي أزمة سبق أن ناقشها في مقال شهير نشرته "نيو لفت رفيو" عام 2014، بعنوان "نهاية الرأسمالية"، وتناول فيها شتريك الخلل الذي تعاني منه الرأسمالية والذي سيقضي عليها ويتعلّق بهبوط النمو الاقتصادي والفوضى العالمية والفساد.

أما المبحث الثاني في الكتاب، فيتعلّق بشكل خاص بالأزمات التي أثرت على الاتحاد الأوروبي ويحقق في الأزمات المحتملة في مستقبل هذا الاتحاد. ويقدّم قراءة في سياسات التقشف وظهور ما يطلق عليه مصطلح "دولة الدين" كنتيجة للثورة النيوليبرالية التي بدأت في الثمانينيات.

يرى مؤلّف "إصلاح الرأسمالية" أن ما يريده رأس المال من الناس أن يعيدوا إلى السوق بالتدريج كل الحقوق الاجتماعية والمدنيّة التي حاربوا من أجلها وكسبوها في صراعات تاريخية. ويخلص إلى أن مقاومة ومعارضة هذا الأمر بطريقة بناءة هو أمر مستحيل، وأن هؤلاء الذين ليسوا سعداء بقضاء حياتهم في سداد ديون راكمها الآخرون، ليس أمامهم سوى المعارضة التي ستهدم هذا النظام، معتبراً أن هذا ضروري لما تبقى من الديمقراطية، ويتابع "إن كان التصرف بعقلانية يعني القبول بأن مطالب السوق من المجتمع لا بد من تلبيتها، على حساب الأغلبية الذين لا يملكون شيئاً سوى الخسارة بعد عقود من توسّع السوق النيوليبرالي، فإن اللاعقلانية قد تكون الشكل الوحيد المتبقي من العقلانية".

من نفس القسم الثقافي