الثقافي
"رسوم نهارية ": عن الدرس الذي كنتُ مادته
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 03 أوت 2019
"الحرب، لمن شارك بها، لن تنتهي أبداً. الذي يطوي صفحة الحرب هو المنتصر. ولن يكون ذلك الشخص مقاتلاً. فالحرب بالنسبة إليه ما هي إلا صنعة مجانين وعبيد"، استناداً إلى هذه المقولة يسرد الناقد والشاعر العراقي فاروق يوسف مزيجاً من اليوميات والسيرة الذاتية في كتابه "رسوم نهارية ومسافر نائم"، الذي صدر حديثاً عن "منشورات المتوسط" في ميلانو.
يتساءل صاحب "هواء الوشاية" إن كانت الحرب قد انتهت حقاً، فتأتي الإجابة: "بالنسبة إليّ، فإن الحرب لم تنته بعد، وهي أيضاً انتهت منذ زمن بعيد. من حقي وأنا الضحية الكاملة أن أكون متناقضاً في لحظة الغياب التاريخي، بل ومزدوج الموقف في لحظة استيعاب ذلك الدرس الذي كنتُ مادته".
تتبدّى مراجعات/ محاكمات يوسف لماضيه في أكثر من مستوى؛ نسج ذاكرة بصرية انتقائية لكلّ ما علِق من صور بغداد وحكاياتها التي تعاود الظهور في أزمنة وأمكنة أخرى، ورؤية نقدية وساخرة أحياناً من تلك المشاعر الجمعية التي تتوحّد في فعل التذكّر لكنها بقدر ما تشي بعاطفة إلى الوطن فإنها تعبّر في الوقت نفسه عن عمق الخوف من اللحظة التي نعيش.
وفق هذه الصورة، ينظر صاحب "لنعد يا حصاني إلى النوم" إلى الوراء؛ بكل ما تعنيه هذه العبارة من معانٍ وإحالات، معبّراً عن ذلك بقوله "الحنين ليس قدراً جماعياً مثلما يزعم رواة المآثر الحزبية المتأثرين ببلاغة الملحمة الحسينية في يوم الطف".
يشير يوسف في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أنه "في هذا الكتاب أُكمل ما بدأته في كتبي السابقة: "لا شيء لا أحد"، و"فردوس نائم"، و"مائدة من هواء"، و"فاكهة صامتة"، و"القيامة بعد شارعين"، و"تلك البلاد"؛ كتابة شخصية تمتزج من خلالها السيرة الذاتية بالتأمّلات التي تصدر عن تماهٍ شعري بالتفاصيل اليومية وصولاً إلى المعنى الغامض الذي ينطوي عليه الفن".
ويضيف "تبدو الذكريات كما لو أنها من نسج الخيال فتتداخل الوقائع في ما بينها حتى يبدو الزمن كما لو أنه طيّات هوائية هي أشبه بالفاصلة بين جملتين. في الكتاب محاولة لاستعادة شيء من صورة بغداد التي اختفت. وهي محاولة لا تصدر عن الحنين بقدر ما تعبّر عن الرغبة في بناء مدينة الجمال الذي لا يُمحى، ذلك لأنه صار جزءاً من النسيان. كل ما يمكن أن أفعله هو الاستعانة بالكلمات من أجل تصريف الفشل في صنع الواقع. اللغة حلّ وجودي عظيم يمكننا من خلاله أن نعيد تركيب الطبيعة".