الثقافي

أحمد باشا: هذه مقدّمة لا بدّ منها

يكتب الشاعر السوري أحمد باشا (1988) ذاكرته بالكاميرا. تأتي نصوص مجموعته "لم أتمدّد يوماً على سكة قطار" الصادرة عن "بيت المواطن" أقرب إلى يوميات شعرية تنطلق من الهوامش في "مقدمة لا بد منها"؛ حيث كراجات دمشق مفتقدة ضجيجها المعتاد، واختفاء الأطفال ماسحي الأحذية وبائعي اليانصيب، وحتى العاهرات والطعام الملوث.صحيح أن أحمد باشا لم يتمدد يوماً على سكة قطار - مع أنه شعر مراراً بفعل ذلك - لكنّ ذاكرته كقطار منهكٍ من السفر ويريد أن يرتاح. سنرى أيضاً الجنود الذين باتوا ينامون مع بنادقهم بدلاً من زوجاتهم: "تنام مع بندقيتك/ ماذا عن زوجتك؟"، ونلمح العبثية واختلاط الجهات وفقدان السماء لرمزيتها: "أطلق الرصاص إلى السماء عالياً/ لن تصيب طائرة أو حنجرة". نقرأ في مقطع آخر: "منذ أول قتيل/ نظرنا طويلاً إلى الأعلى/ منذ أول قتيل/ فقدت الجهات جهاتها".

يلجأ باشا أيضاً إلى الفلاش السريع والخاطف بكاميرا خفيفة وحركات مدروسة تلتقط ما يمكن التقاطه: "هل مات حقاً صاحب عربة السندويش؟/ ما زلت أشم رائحة الطعام من أخشابها المهترئة/ ثابتة تلك العربة.. مثلي/ لكن عجلاتها/ ما زالت تسير في الذاكرة". تمضي نصوص المجموعة، راسمة صورة الخراب الذي بلغ قلب الإنسان، والهوية التي تجلب لصاحبها القتل وانتصار الضحية على الجلاد: "يوماً ما سيستيقظ أطفال الغوطة".

ورغم الثقل الواضح لتفاصيل الحرب والموت، يظهر الحب كتميمة في وجه الخراب يقول: "ثبّتي جفنيك قليلاً/ مللت الخطأ في عد النجوم". ثم تحضر الأم: "بيضاء/ أجمل من الحرب ومن الثورة/ لم تحفظ كلام الله/ لكنها صوته/ رائحته/ كلما نظرت إلى الأعلى/ وجدتها/ أمي!". فالمرأة سواء الأم أو الحبيبة بصيرة أولى للوطن، ورديف مكثّف للعذابات التي تطاولت.تمضي النصوص وكأنها تتخذ مساراً نازفاً، فمن الحرب إلى الحب، ثم تعود ثانية إلى الموت والحرب: "طوبى للموتى قناعاتهم/ لا تتغير أبداً" أو "المدن المحاصرة تهزم في دواخلنا فقط، ونحن من يجبرها أيضاً على الانتصار".

حافظ نص الشاعر السوري، المقيم الآن في فرنسا، على هواجسه، مع الوقت يعرف القارئ الثيمات المستمرة والمفتوحة كجرح غض طيلة النصوص: الحرب والموت وسورية الحلم: "البلاد التي في داخلنا أصغر من ابتسامة طفل جائع". إنها صورة عاطفة صغيرة ومؤلمة يقف بها الشاعر أمام تراجيديا كبيرة صار اسمها سورية.

من نفس القسم الثقافي