الثقافي

"الصراع الفكري في الأدب السوري".. عاصفة نقدية

في عام 1943، صدر عن مطبعة في بوينس آيرس، كتاب "الصراع الفكري في الأدب السوري" لمؤسس "الحزب السوري القومي الاجتماعي"، أنطون سعادة (1904 - 1949)، وتناول من بين ما تناول تحت هذا العنوان (غير المألوف آنذاك) بالنقد والتمحيص أعمال أبرز أدباء المهجر في زمنه، من أمثال أمين الريحاني وشفيق معلوف وميخائيل نعيمة، وانعطف إلى أدباء آخرين في سورية ولبنان من أمثال سعيد عقل. ولم يتوقف عند من جمعهم تحت تسمية الأدباء السوريين، فالتفت إلى مصر وتناول أبرز أدبائها وعلى رأسهم محمد حسين هيكل وطه حسين وعباس محمود العقاد بوصفهم من أدباء العربية.

بادئ ذي بدء، نُشرت فصول هذا الكتاب على شكل مقالات في صحيفة "الزوبعة" التابعة لـ"الحزب السوري" في الأرجنتين، فكانت أشبه بزوبعة فعلاً، أو عاصفة نقدية لا نجد لها مثيلاً في كتابات تلك الأيام. إلا أن هذه العاصفة كما يبدو لم يتردّد لها صدى إلا في دوائر ضيّقة، وظلت سجينة صفحات هذا الكتاب، أي سجينة زمنها، كما يحدث أحياناً حين تختفي بذور شجرة في أعماق رمال الصحراء في انتظار قطرات مطر قد تأتي ولا تأتي، ومع ذلك لا يصيبها اليأس من أن يأتي يوم يتحوّل فيه سراب الصحراء إلى ماء دافق.

صحيح أن المتابع قد يجد بين سطور عدد محدود من أدباء النصف الأول من القرن العشرين شيئاً من الصدى، كأن يصادف مصطلح "الأدب الحيّ"، الذي هو لب كتاب أنطون سعادة، في سياق التعبير عن التوق لأدب نابض بالحياة غير أدب "الكتب"، لدى الشاعر العراقي محمود البريكان أو في أعمال النقد الأدبي للمصري سيّد قطب، أو كما سيترجم إلى "الأدب للمجتمع" لدى محمود أمين العالم، أو في بيانات الشاعر يوسف الخال صاحب مجلة "شعر"، إلا أنه لن يجد أطروحة الكتاب كاملة، أو متابعة لها إلا على نحو مستتر أو متردد.فما هي هذه الأطروحة التي طمرتها رمال ذلك الزمن وماثلنا بينها وبين بذرة هاجعة تنتظر أن تأتيها قطرات مطر أو لا تأتي؟ يضم الكتاب مجموعة مقاربات تجري تحت العناوين التالية: "تخبّط وفوضى"، و"تجديد الأدب وتجديد الحياة"، و"من الظلمة إلى النور"، و"طريق الفكر السوري"، و"طريق الأدب السوري".

ويمكن تلخيص مآخذه على أصحاب المراسلات الأدبية، أولاً، بالتعميم والإطلاق في أحكام الريحاني اللذين يجرفان الكثير من التفاصيل التي تبقى الحقيقة الكبرى الأساسية ناقصة نقصاً كبيراً من دونها، وثانياً، بآراء فجة أو مبتسرة مستمدة من الحياة الأميركية العملية ذات الطابع الأنغلوساكسوني وليس فيها شيء من العمق لدى يوسف معلوف، وثالثاً، بخلوها من النظرة الفلسفية أو التاريخية لدى شفيق معلوف. ويرى في كل هذا تضارباً وتخبطاً في حقيقة الشعر وصفته، لا يقتصران على الثلاثة بل يشملان أكثر الأدباء اللامعين إن لم يكن كلهم في العالم العربي.

وبعد توجيه هذه الانتقادات، يأخذ سعادة بتقديم ما يرى فيه الخلاص الحقيقي من التخبط والفوضى تحت عنوان "تجديد الأدب وتجديد الحياة". ومن هذا العنوان يبدو واضحاً سبب اتهام آراء من تناول من أسماء بالسطحية والتعميم، وهو عدم ربطهم تجديد الأدب بتجديد الحياة ذاتها. يقول: "الأدب كله من نثر ونظم... لا يمكن أن يُحدث تجديداً من تلقاء نفسه، فالأدب ليس الفكر عينه، وليس الشعور بالذات... التجديد في الأدب مسبَّبٌ لا سبب، هو نتيجة حصول التجديد أو التغيير في الفكر وفي الشعور، في الحياة وفي النظرة إلى الحياة". ومن هنا يرى أن التجديد لا يحدث إلا "نتيجة حصول ثورة روحية، مادية، اجتماعية، سياسية، تغير حياة شعب بأسره، وأوضاع حياته، وتفتح آفاقاً جديدة للفكر وطرائقه وللشعور ومناحيه".

من نفس القسم الثقافي