الثقافي
إبراهيم شبّوح.. كي لا يظلّ ابن خلدون رهين مقدّمته
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 23 جولية 2019
بعد أكثر من خمسة قرون على تأليفها، صدرت تباعاً ثلاث طبعات مختلفة من كتاب "المقدمة" لعبد الرحمن بن خلدون (1332 - 1406م)، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، لتكون أولى النسخ التي تظهر باللغة العربية وتُعرض في المكتبات، بعدما ظلّت حبيسة بعض الخزائن في فاس والقاهرة والجزائر وغير متداولة.
هذه الطبعات معروفة بـ"نشرة كاترير"، و"نشرة علي عبد الواحد وافي"، و"نشرة بولاق"، والأخيرة استنسخت وشوّهت في عشرات الطبعات التي نقلت عنها، ولم تسدّ ما نقص منها أو ما التبس من أسماء الأعلام الواردة فيها.
في عام 1985، اجتمع أستاذ التاريخ والآثار التونسي إبراهيم شبّوح مع الناقد والباحث الفلسطيني الراحل إحسان عباس في عمّان، وانكبّا على قراءة المقدّمة الخلدونية في جميع المخطوطات والمطبوعات التي توافرت لديهما، وقد صدر الجزء الأول من هذا المشروع بعد رحيل عباس في 2003، والذي وُضع اسمه عليها بالتشارك متبوعاً بعبارة: "قرأه وعارضه بأصول المؤلف، وأعد معاجمه وفهارسه".يحاضر شبّوح، غداً، في "بيت الحكمة" في قرطاج، بالقرب من تونس العاصمة، إذ يعود إلى مجمل مساره المعرفي مع مخطوطات وطبعات ابن خلدون والتي توّجت بإصدار الأعمال الكاملة في طبعتها الأولى عن "دار سحنون" في تونس العام الماضي، وقد احتوت على المقدمة في جزءين و"كتاب العبر" و"كتاب التعريف بابن خلدون ورحلته شرقاً وغرباً". كما يتحدّث في المحاضرة الباحث أحمد مشارك.
من أبرز النقاط التي كثيراً ما توقّف عندها شبّوح، في محاضراته وحواراته الصحافية، هي اختزال ابن خلدون بمقدّمته، وكان قد فسّر ذلك بكون أعمال ابن خلدون طُبعت في العالم العربي بعدما تُرجمت إلى التركية في القرن السابع عشر (العصر العثماني)، وقد اقتصرت الترجمة على "المقدّمة" وحدها، ولم تتوفر سوى نقول قليلة في مصر عن كتابه "العبر" رغم أنه أقام في القاهرة.
قرّر شبّوح بعد ذلك البدء برحلة بحثه يراوده تساؤل أساسي عما إذا كانت "المقدمة" تمثّل مجمل فكر العلّامة العربي، وما قيمتها حين توضع إلى جانب بقية المجلدات السبع؟ ولماذا لم يتمّ الاهتمام به مؤرّخاً وصنّف كعالم في العمران والسياسة والاجتماع؟
وبفضل المقارنة بين المخطوطات الأصلية والمنسوخات والمطبوعات الأولى، أبعد شبوح بعض الطبعات، مثل طبعة مكتبة "جامع القرويين"، بسبب تداول أيدي النساخ عليها وضياع جزء من أوراقها وتغيّير بعض الأسماء المشرقية منها وتعرّضها للرطوبة، وارتأى الاعتماد على خمس نسخ اعتبرها الأصول من عهد ابن خلدون، وهي جميعاً من خزائن إسطنبول، واكتشف الاختلاف في خطّه بين محطات عدة من حياته، وما كُتب منها بالخط المشرقي وقد دوّنها تلميذه ابن الفخار.