الثقافي

الدشرة القديمة بمنعة في خطر تنتظر التصنيف بباتنة

ثافسوث أوعيد الربيع تظاهرة روجت لتراثها

يكتشف الزائر لمدينة منعة الواقعة في الجهة الجنوبية لباتنة على بعد 87 كلم أن دشرتها القديمة الصامدة منذ أكثر من 10 قرون أصبحت مهددة بالزوال و في إنتظار تصنيفها كتراث ثقافي، ويبدو جليا للعيان تردي أجزاء من الدشرة في ظل غياب الحماية والصيانة مما يرهن وجود هذا المعلم التاريخي والأثري ذو العمارة المحلية الأمازيغية الأصيلة إذا بقي الوضع على حاله .

وفي تصريح ل"وأج" دق رئيس بلدية منعة بلعيد مزاتي ناقوس الخطر الذي أصبح يداهم الدشرة الواقعة بوسط المدينة "بعد تسجيل إنهيار بناية من طابق أرضي خلال السنة المنصرمة تسببت مياه الأمطار الغزيرة التي شهدتها الجهة منذ أسابيع في تضرر السور الذي يحيط بالمعلم بعد ظهور تشققات هامة فيه مما أدى إلى الغلق شبه الكلي لمدخلها، و أصبح شطر من السور الذي يتراوح علوه بين 8 و10 أمتار يهدد المارة في أي لحظة"، يقول ذات المنتخب الذي أوضح أن "تهديم السور سيؤثر على المنظر العام للدشرة ويفقدها رونقها و في المقابل لا تملك البلدية الإمكانات اللازمة للتدخل المستعجل لاسيما اليد العاملة المتخصصة لترميمه أو إدخال إصلاحات عليه".

"والمثير في الأمر أن العديد من مساكن الدشرة التي عادة ما تتكون من طابق واحد أو طابقين مازالت لحد الساعة آهلة بالسكان"، إستنادا للمتحدث الذي أبرز بأن "حيوية المكان أضفت عليه طابعا مميزا لاسيما وأن أغلب ساكنيه احتفظوا بعاداتهم وتقاليدهم بما فيها الصناعة التقليدية كنسج الزرابي و صنع الأواني الفخارية الطينية"، "و تبين أن الدشرة القديمة بالمدينة أو كما تسمى محليا ب (ثيقليعث ن منعة) مصنفة منذ سنة 1928 كتراث طبيعي لكنها لم تصنف لحد الساعة كتراث ثقافي" وهو الأمر الذي حال -وفق المدير الولائي للثقافة عمر كبور- دون التدخل المباشر فيها وتخصيص مبالغ مالية من طرف مصالح الثقافة لحمايتها.

وإعتبر في هذا السياق بأنه "على الرغم من ذلك بالإمكان تصنيف هذه الدشرة محليا كموقع ثقافي تراثي لتسهيل حمايتها"، لافتا الى أن "ذلك يتطلب تكوين ملف دقيق حول الدشرة يتضمن عدة جوانب يمكن لمديرية الثقافة أن تساهم في إعدادها باستثناء الرفع الطوبوغرافي الذي يتطلب إمكانات مادية لاسيما وأن المعلم عبارة عن دشرة تضم عديد البنايات"، وفي حال تكفل البلدية أو أي هيئة أخرى بإعداد هذا الملف الذي يعد ضروريا لتصنيفها كموقع ثقافي تراثي فستكون العملية سهلة بعد ذلك للتصنيف حتى من خلال إدراجه ضمن قائمة الجرد الإضافي ومن ثمة تدخل وزارة الثقافة للعناية به"، إستنادا للمتحدث، وأشار نفس المصدر إلى أن "قصور مدوكال العتيقة كانت تعاني نفس الوضعية و التي تمكنت البلدية من إعداد ملف كامل عنها بما في ذلك الرفع الطوبوغرافي الذي سلمت نسختان منه لمديرية الثقافة لإدراجه ضمن القطاع المحفوظ ليتم إيداع واحدة منهما منذ أكتوبر 2018 على مستوى وزارة الثقافة للدراسة وإبداء الرأي من طرف اللجنة الوطنية للممتلكات الثقافية".

ويرى بعض الجامعيين المختصين في الهندسة المعمارية وحماية التراث المبني بأنه "بالإمكان اتخاذ البنايات القديمة التي تندرج ضمن المعالم الأثرية غير المصنفة من طرف طلبة هذا التخصص كمشاريع للدراسة من أجل إعداد مذكرات التخرج وتكون إضافة للبحث في الجامعة علاوة على استعمال هذه الأطروحات كعمل قاعدي علمي لتصنيف هذه المواقع".

وفي واقع الأمر ما كان لصيت الدشرة القديمة بمنعة أن يذيع وينتشر ويستقطب الاهتمام من كل ربوع الوطن لولا تظاهرة ثافسوث أو عيد الربيع التي اتخذ منها شباب هذه المنطقة النائية وسيلة للتعريف بتراثها المعماري الذي يشهد على براعة سكان منعة الأوائل في البناء وفن العمارة التي من مميزاتها نظام التهوية الدقيق الذي يسمح للبنايات بأن تكون باردة صيفا ودافئة شتاء، فقد ظلت الدشرة المشيدة بمواد طبيعية محلية تحتفظ بخصوصياتها وكذا ببناياتها العتيقة التي تتحول كلما حل الربيع إلى متحف مفتوح يستقبل الزوار على أمل أن يتحول المكان إلى وجهة سياحية بامتياز وهو الهدف من إعادة إحياء هذه التظاهرة حسب العديد من شباب المدينة الذين تحدثت إليهم "وأج" في عديد المناسبات والذين أجمعوا على أن "ثافسوث هي طريقة للفت الانتباه للدشرة وإخراجها من عزلتها ومحاولة جعلها معلما مصنفا وفق القانون وفي هذه المبادرة حماية لها من التردي ومن ثمة الزوال.

وكانت مدينة منعة قد احتضنت خلال السنة المنصرمة ورشة تكوينية حول التعريف بالسكن التقليدي والعمارة المحلية بهذه المنطقة من الولاية بما في ذلك العمارة الطوبية والحجرية لفائدة قاطنيها وشبابها مع محاولة التحسيس بأهمية هذا الموروث الثقافي قصد التكفل به وحمايته من الاندثار.

وتستمد الدشرة القديمة شهرتها من طابعها العمراني الأمازيغي المحلي الذي يختلف عن ما يسمى ب"ثيقليعث" أو المخازن الجماعية المعروفة بمنطقة الأوراس وكذا من الزاوية القادرية بن عباس المعروفة بدار الشيخ التي شيدت سنة 1660 من الميلاد، حسبما علمته وأج من القائمين على هذه الزاوية التي تضم مسجدا أنجز على بقايا آثار رومانية وتضم ضريحين لابني أحمد باي الذي لجأ إليها مع عائلته سنة 1839 وفق المصدر بعد سنتين من سقوط قسنطينة على أيدي قوات الاحتلال الفرنسي، ولكونها جزءا من الذاكرة الجماعية بتراثها المادي واللامادي فإن الدشرة القديمة -حسب سكان منعة- جديرة بالاهتمام والتدخل المستعجل لإنقاذ المعلم والمحافظة عليه لاسيما وأن أجزاء منه بدأت تتهاوى وأصبح من الصعب أن تحتضن بعض التظاهرات كما جرت عليه العادة منذ سنوات.

فريدة. س

من نفس القسم الثقافي