الثقافي

الجزائر تخوض حرباً لاستعادة ممتلكاتها الثقافية

بشعار ا تنازل عنها

تمكّنت الجزائر في السنوات الأخيرة من استرجاع العديد من القطع الأثرية التي تمّت سرقتها وتهريبها بطرق مختلفة إلى خارج الجزائر، حيث استطاعت السلطات، استناداً إلى ما تنصُّ عليه المعاهدات والاتفاقيات الدولية في مكافحة التهريب والاتجار غير الشرعي بالممتلكات الثقافية، أن تضمن حقوقها في ما يتعلّق بتلك الآثار المنهوبة.

بحسب جمعية الأثريين الجزائريين، فإنّ جهود استرجاع تلك الممتلكات الثقافية، أسفرت عن استعادة رأس تمثال رخامي لماركوس أوروليوس، يعود إلى القرن الثاني للميلاد. وكان هذا الرأس الرخامي قد سُرق ضمن ثماني تحف أخرى، من متحف سكيكدة (شرق الجزائر)، سنة 1996. وفي سنة 2004، ظهر الرأس من جديد في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث عُرض للبيع في أحد صالونات البيع بالمزاد العلني.

وفور إبلاغها بالموضوع، بادرت السلطات المختصّة، بالتنسيق مع منظمة الشرطة الجنائية الدولية (الأنتربول)، بالاعتراض على عملية البيع، وقدّمت ملفاً جعل المُدّعي العام لمدينة نيويورك، يأمر سنة 2006، بحجز التحفة، وإرجاعها إلى موطنها الأصلي. وفي سنة 2008، وصلت التحفة إلى الجزائر، بشكل رسمي، وهي الآن معروضةٌ بقاعة الرخاميات بالمتحف الوطني للآثار القديمة.

كما تمّ، في إطار الجهود نفسها، استعادة رأس تمثال من الرخام لامرأة رومانية، تمّت سرقته سنة 1996 من المتحف البلدي بمدينة سكيكدة (شرق الجزائر)، وقد تمّ اكتشافه بمدينة ميونيخ الألمانية، من طرف شرطة «الأنتربول»، بناءً على المواصفات والتوضيحات المقدّمة من قِبل الجزائر، حيث تمّ القيام بجميع الإجراءات اللازمة لإرجاع هذا الإرث الثقافي إلى البلد الأصلي، وهو ما حدث فعلاً سنة 2010.

من جهة أخرى، باشرت وزارة الثقافة إجراءات استرجاع لوحة «بيكي»، التي تُمثّل امرأة مزارعة تُطعم أبناءها، وهي إحدى الرسومات التحضيرية التي أنجزها الرسام التشكيلي جون فرانسوا ميي بين عامي 1848-1860، واقتناها متحف وهران (غرب الجزائر) في بداية خمسينات القرن الماضي، ثم اختفت اللّوحة من المتحف منذ سنة 1985، قبل أن تتمّ عملية استرجاعها من فرنسا سنة 2014.

غير أنّ الجزائر لم تستطع لحدّ الساعة استرجاع لوحة «الغزالة الميتة»، التي رسمها الفنان الفرنسي كوربي، نظراً لكون ملكيتها تعود حاليّاً لأحد الأفراد، وهذا ما يتطلّب إجراءات قانونية خاصة.

وفضلاً عن ذلك، استطاعت الجزائر استرجاع قناع الغرغون، الذي يعود إلى القرن الثالث للميلاد، وقد تمّت عملية سرقة هذه التحفة من الموقع الأثري بعنابة (شرق الجزائر) في شهر مارس من عام 1996، ولم تتوفّر يومها أيّ معلومات أو دلائل ملموسة بشأن الوجهة التي نُقلت إليها، إلى غاية سنة 2011. وأثناء اندلاع الأحداث السياسية التي هزّت تونس، عُثر على التحفة في قصر صخر الماطري، صهر الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي. فتحرّكت الحكومة الجزائرية، بالتنسيق مع السلطات التونسية، من أجل اتخاذ الإجراءات المناسبة، ما أسفر عن استرجاع هذه التحفة الأثرية في شهر أبريل سنة 2014.

ومع كلّ هذه الجهود التي تبذلها الجزائر في سبيل استرجاع الآثار ومحاربة عمليات تهريبها، يُلحُّ العديد من الأثريين الجزائريين، على ضرورة تكوين مختصّين في مجال التراث الثقافي عبر مؤسّسات وزارة الثقافة، واستحداث خلايا أمنية في الدرك والشرطة والجمارك تكون مهامُها الأساسية معالجة كلّ ما يتعلّق بقضايا سرقة وتهريب الآثار والممتلكات الثقافية. كما دعوا إلى تفعيل إجراءات حماية الآثار من السرقة، وعلى رأسها الجرد التقني لجميع الآثار المنقولة عبر المتاحف الجزائرية، وتسجيلها في قائمة الجرد الإضافي، وتصنيفها كتراث ثقافي وطني. ومن الأمور التي يرى الأثريون أنّها تزيد من قوة موقف الجزائر في مثل هذه المسائل، توقيعُها على المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تنصُّ على حماية الممتلكات الثقافية، وخاصة اتفاقية لاهاي (1954) المتعلقة بحماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلّح، والبروتوكول الثاني (1999)، واتفاقية اليونيسكو لحماية التراث الثقافي لسنة 1970 والمتعلقة بالتدابير الواجب اتخاذها لمنع استيراد وتصدير ونقل ملكية الممتلكات الثقافية بطرق غير شرعية، فضلاً عن اتفاقية حماية التراث الثقافي والطبيعي لسنة 1972.

من نفس القسم الثقافي