الثقافي

اهتمام غير بريء للإعلام الفرنسي بكمال داوود

تزامنا مع الحراك الشعبي

أحيانا يأتي بعض الكتاب أو المفكرين بنزعات غريبة، قد لا تبدو واضحة المعالم، قد تكون في كلام ضمني، لكنها فعلا تدعو إلى التحليل والتفكير في مقاصدها، من هؤلاء الروائي الجزائري كمال داود، الذي تهتم به وسائل الإعلام الفرنسية هذه الأيام بشكل لافت، تزامنا مع أحداث الاحتجاجات الشعبية في الجزائر، وليس الأمر بريئا مطلقا.

لماذا تركز الصحافة الفرنسية في هذه الأيام على مجموعة من الكتاب الفرانكفونيين الجزائريين أمثال بوعلام صنصال وكمال داود فقط على نحو انتقائي مكشوف، وتتنكر في الوقت نفسه للكتاب الناطقين بالأمازيغية والعربية في الجزائر؟

ففي الأيام القليلة الماضية خصصت مجلة “لوبوان” الفرنسية المعروفة، عددا خاصا للكاتب كمال داود طرح فيه موقفه مما يجري حاليا في الجزائر، بمناسبة الحراك الشعبي ضد النظام الحاكم، وتتضمن مقالات الروائي والصحافي كمال داود المنشورة في هذا العدد تناقضات كثيرة ينبغي تفكيكها ونقدها.

أما الكاتب أزراج عمر وفي مقال نشره في مجلة “العرب”، فقد أراد التركيز على قضية واحدة تتمثل في موقف هذا الكاتب المعادي للعروبة وللثقافة العربية في الجزائر، مع العلم أن الجزائريين شعروا بالسعادة عندما فاز بجائزة الغونكور الفرنسية للرواية الأولى في عام 2014 عن روايته “ميرسو تحقيق مضاد”، التي تقدم روائيا فنانا موهوبا ومقتدرا.

وكتب أزراج “لقد كان منبع فرحنا يعود إلى سببين، أولهما له علاقة ببروز هذا الأديب الشاب الذي لم يكن معروفا حينذاك في الأوساط الأدبية الجزائرية وفي العالم الفرانكفوني معا، وثانيهما مرتبط بدور الأدب الجزائري ذاته في إعادة كتابة تاريخ الكولونيالية الفرنسية نقديا وبمستوى فني متقدم”.

وأضاف: “بعد فوز الكاتب كمال داود بالجائزة المذكورة آنفا أصبحت أتابع مداخلاته وحواراته بشغف، وقدرت فيه روح التمرد والجرأة النقدية رغم اختلافي مع كثير من الآراء التي يدلي بها. وبعد مدة من الزمان قرأت له مساهمة نشرتها له المجلة الأدبية الفرنسية “ماغزين ليترير” (عدد فيفري 2016) ولفت نظري غلافها الملون الذي تتصدره صورته إلى جانب صورة الكاتب الفرنسي المعروف ماثياس إنارد، الفائز سابقا بجائزة الغونكور. لقد كانت مساهمة كمال داود في ذلك العدد عبارة عن حوار شاركه فيه الروائي الفرنسي المذكور آنفا، ويحمل هذا الحوار عنوان “الأدب ضد الشرّ”. في هذا الحوار تطرق الروائي كمال داود إلى عدة قضايا وخاصة الأصولية الإسلامية والعروبة والاستشراق”.

وتابع شارحا: “منذ البداية وجدته يعلن أن لديه حساسية تجاه الاستشراق جراء أسباب تاريخية، وهذا لا غبار عليه في شق منه، لأن جزءا من الاستشراق الغربي مرتبط بالاستعمار، ويحتاج فعلا إلى النقد الدائم، خاصة وأنه لا يزال يشوّه تاريخ وثقافات وهويات شعوب العالم الثالث وخاصة شعوب العالمين العربي المشرقي والإفريقي، ولكن كمال داود لا يميز بين هذا النمط من الاستشراق وبين ما قدمه الاستشراق الموضوعي من خدمات إنسانية ومعرفية وتوثيقية، وحفظ للثقافة العربية الإسلامية وللثقافات الشرقية من الاندثار”.

وفي هذا الحوار يعلن كمال داود مباشرة عن حقيقته عندما يصرّح قائلا: “أشجب الاستعمار الأفقي بواسطة العروبة، وأشجب اغتيال الثقافة العروبية المسيطرة لثقافة بلادي”. هنا ينبغي أن نتساءل: ما هي هذه الثقافة الجزائرية التي اغتالتها العروبة؟ وهل هي الثقافة الفرنسية أم هي الثقافة الأمازيغية أم هي الثقافة العربية ببعديها الفصيح والشعبي؟ ومن هو هذا الآخر الذي يدافع عنه الروائي كمال داود؟

واستطرد أزراج: “ظاهريا يبدو أن كمال داود يرافع ضد نزعة سيطرة ثقافة معينة على ثقافة أخرى، ولكنه في العمق يرفض الثقافة العربية في الجزائر وينتصر ضمنيا لما يصطلح عليه بثقافة الجزائر التي لم يبين لنا تحديدا ماهيتها والفرق النوعي بينها وبين الثقافة العربية التي يتحايل بواسطة مصطلح “العروبية” لكي يخفي مقاصده المغرضة”.

ويقول أزراج عن هذا التقسيم التعسفي: “صحيح أن في الجزائر ثقافة أمازيغية موغلة في التاريخ وهي جزء عضوي من الشخصية القاعدية للهوية الوطنية الجزائرية، وهي بدورها قد عانت الكثير من الويلات عبر التاريخ وتعرضت للإنكار والقمع من قبل الاحتلال الفرنسي، ومن أهلها على حد سواء في مرحلة ما بعد الاستقلال، ولكن توجد إلى جانب الثقافة الأمازيغية ثقافة عربية تجاورها وتتعايش معها وتقيم، في كثير من الأحيان، علاقة التناص معها وهناك التفاعل والتأثير التاريخيان بينهما، وهناك بلا شك عناصر تميز كلا منهما، ولكن هذا التمايز لا يعني أنهما متضادتان أو متقاتلتانّ. إن شجب كمال داود للعروبية الثقافية واعتباره لها استعمارا يتضمنان تصنيفا ضمنيا تعسفيا لقسم من الجزائريين الذين يحملون الثقافة واللغة العربية، حيث يعتبر هذا القسم كمستعمر. إن هذه الأحكام غير صحيحة واقعيا ومنافية للمنطق ولحقائق التاريخ، كما أن تقسيم الشعب الجزائري إلى مستعمِرين ومستعمَرين ليس في صالح الوحدة الوطنية التي ينبغي أن تقوم على أسس احترام التنوع الثقافي الوطني والنظر إلى هذا التنوع كعلامة صحية وثراء وقوة ناعمة”.

وهنا يتساءل أزراج مجددا: ألا توجد في الجزائر بقايا الثقافة الفرنسية، واللغة الفرنسية المسيطرة على كافة أجهزة الدولة؟ ألا يوجد في الجزائر أدب فرانكفوني الذي هو سمة ثقافية بامتياز تعبر بها شريحة من الجزائريين عن نفسها وهي شريحة لا يستهان بها من حيث عدد أفرادها ونفوذها في أجهزة الدولة الجزائرية ما بعد الكولونيالية؟ولماذا لم يعتبر كمال داود اللغة الفرنسية وحمولتها الثقافية استعمارا للثقافة الجزائرية التي يدافع عنها؟ ولماذا لا يدعو إلى نزع استعمارها، أم أن الثقافة واللغة الفرنسيتين تجمعهما بالثقافة الجزائرية صلات الرحم والرضاعة؟ إذا كان الأمر هكذا فإننا سنحتاج فعلا إلى علماء جينات الثقافات ليفكوا لنا أسرار هذا اللغز المحير”.

فريدة. س

من نفس القسم الثقافي