الثقافي
"متحف القارات الخمس": تكفير عن ذنوب القرن التاسع عشر؟
ماذا تعني مبادرات تسليم رفات الأجداد أكثر من بُعدها الرمزي
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 14 أفريل 2019
لا تزال الدعوات لإعادة الآثار إلى بلدانها الأصلية تتردّد في العواصم الأوروبية، وبعد أن كانت منحصرة في الأوساط العلمية وحدها تقريباً، أصبحت شأناً عاماً يتداوله المواطنون ووسائل الإعلام، حتى أن الكثير من المتاحف باتت تقدّم مبادرات لإعادة الآثار في محاولة لإنقاذ شيء من سمعتها، من ذلك "متحف القارات الخمس" في ميونخ الألمانية، والذي أعاد في التاسع من الشهر الجاري رفات أشخاص من الأبوريجان (السكان الأصليين لأستراليا) تمّ جلبها إلى ألمانيا لدرستها في إطار البحوث الأنثروبولوجية التي كانت ناشطة في القرن التاسع عشر، ثم تحوّلت بمرور الزمن إلى مواد متحفية تستقطب الزوّار.
لن يكون المتحف البافاري استثناءً، حيث أعلنت متاحف ألمانية أخرى في شتوتغارت وبرلين أنها ستقدم على نفس الخطوة، علماً أن "متحف القارات الخمس" قد استدعى عدداً من الأبوريجان لتسليمهم رفات "أجدادهم"، ومن بينهم رفات أحد ملوكهم وحكمائهم في القرن التاسع عشر.بشكل إجمالي، سيتم تسليم 53 رفاتاً، وهو رقم يطرح أكثر من تساؤل؛ حيث إن عدد الأجساد التي جرى نقلها لـ"الدراسة" يتجاوز ذلك بكثير، فهل المقصود هو عملية رمزية لا غير، وهل تمحو هذه المبادرة تاريخاً جُعلت فيه أجساد السكّان الأصليين ميداناً لتجارب علمية، ثم مواد للعرض المتحفي؟
على مستوى آخر، تقتصر هذه المبادرة على رفات أشخاص ينحدرون من أستراليا، وكأنها المنطقة الوحيدة التي جرى جلب الجثث منها، في حين أن أستراليا لا تمثّل سوى قسم هيّن مما جرى نقله من أفريقيا والقارة الأميركية وآسيا، وحتى من البلاد العربية. علماً أن الحكومة الأسترالية قد حيّت الخطوة التي أقدم عليها "متحف القارات الخمس"، وهو ما يرجّح أن يكون الأمر ضمن خطّة ديبلوماسية وضعتها أستراليا منذ سنوات في إطار دمج الأبوريجان ضمن نسيجها الاجتماعي.
ويُذكَر هنا أن إعادة رفات الأبوريجان من قبل المتحف الألماني ليست الأولى من نوعها؛ حيث سبقتها مؤسّسات أخرى في الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا والسويد. لكن الأهمية التي أخذتها هذه الخطوة هي أنها تأتي ضمن سياق أصبحت فيه قضية إعادة الآثار تحت الأضواء الإعلامية، بعد مطالبة العديد من البلدان الأفريقية رسمياً باستعادة تراثها المنهوب والمعروض في المتاحف الأوروبية.
لكننا مع هذه الحادثة حيال نوع مخصوص من "التراث"، فلسنا هنا نتحدّث عن قطع زينة وأوان وعملات وغير ذلك من الأغراض، بل عن أجساد أناس حقيقيين، كان لهم أهل وحياة واختطف أجسادَهم "علماء" الاستعمار باسم المعرفة، ومن خلال ذلك نفهم بعداً آخر من أبعاد الجريمة الاستعمارية التي لم تكن تقتصر على نهب الثروات الطبيعية وحدها، بل لم تكن تتورّع عن قتل الناس وترحيل جثثهم إلى المخابر في العواصم الغربية، فإذا صحا ضميرها أعادتها بعد قرن ونيّف.
مريم. ع/ الوكالات