الثقافي
الإبداع ينتقل إلى الشارع بألحان الملاعب
في ظل حالة الإفلاس التي تعاني منها النخب الثقافية
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 14 أفريل 2019
لعل من أهم الشعارات التي حملها المتظاهرون بداية الحراك الشعبي بالجزائر “ماكانش الرايس، كاين تصويرة” (لا وجود لرئيس الجمهورية، هناك فقط صورة متداولة عنه) التي رددها الملايين بلحن متميّز.
وبقدر ما كان الشعار بسيطا كان يعبّر عن مفارقة كبيرة، حيث تحوّل الإطار الحامل لصورة الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة إلى ما يشبه الطقوس الوثنية في كل مناسبة يقول الرسميون إنهم كرّموه فيها، وهو الغائب عن المشهد السياسي بشكل شبه كامل منذ أن أصيب بجلطة دماغية في أفريل 2013.
ولم يتردّد العارفون بشؤون الملاعب الرياضية في نسب هذا الشعار إلى أنصار فريق اتحاد العاصمة الذين ردّدوه منذ مدة طويلة أثاء مباريات ناديهم.
وفور انتشار الشعار ونسبه إلى أنصار الاتحاد، وفي إطار التنافس مع الغريم مولودية العاصمة، سارع أنصار النادي الأخير إلى الترويج لشعار آخر أصبح الأشهر في المظاهرات التي سبقت استقالة بوتفليقة، وهو “جيبو الـ BRI جيبو الصاعقة، ماكانش الخامسة يا بوتفليقة” (حتى ولو أتيتم بفرقة البحث والتدخل للشرطة أو قوات الصاعقة التابعة للجيش، فلن تكون هناك ولاية خامسة لبوتفليقة).
الشعاران السابقان وغيرهما من أهازيج الملاعب كانت الحاضر الأبرز في مسيرات الجزائريين، وأصبح الأساتذة والطلبة والمحامون يرددونها في كل مظاهرة، وهو ما أثار نقاشا حول “إفلاس النخبة الثقافية والفكرية” وعجزها عن الابتكار واكتفائها بترديد شعارات الملاعب.
وفي هذا الصدد يقول الكاتب الصحفي احميدة العياشي لـ “الجزيرة نت”، إن الملاعب لم تكن خلال العشرية الماضية مجرد فضاءات للتنفيس أمام غلق كل مجالات التعبير الحر والنقدي، بل تحولت إلى “مخبر لإنتاج خطاب مضاد ونقدي للسلطة عبر شعارات مناوئة للحكومة ورجالها ولرموز الفساد”.
ولئن كانت مختلف الملاعب مصدرا للأهازيج المتمردة والمناوئة للسلطة منذ مدة طويلة، فإن الجمهور الأشهر في هذا الميدان هم أنصار اتحاد العاصمة الذين يسمون أنفسهم “لمسامعية” (من فن السماع الموسيقي) ويفتخرون بكون أشهر فناني الموسيقى الشعبية العاصمية من أنصار الاتحاد على غرار عبد القادر شاعو والراحل الهاشمي قروابي.
ويشتهر من بين أنصار الاتحاد فرقة “أولاد البهجة” التي يبدع أعضاؤها كل مرة بإنتاج أغان جديدة سرعان ما يحفظها الآلاف ويرددونها بصوت واحد.
وقبل الحراك الشعبي كان موضوع الهجرة غير النظامية عبر “قوارب الموت” والذي يعرف محليا بـ “الحرقة” هو الشغل الشاغل للجميع، ويرى العياشي أن هؤلاء الأنصار نجحوا عبر الأهازيج بإعادة الاعتبار لزملائهم الحراقة الذين ماتوا غرقا بالبحر.
وفي ظل حالة الإفلاس التي تعاني منها النخب الثقافية والسياسية، يعتقد الكاتب والمؤرخ فوزي سعد الله أن أهازيج الملاعب “تبقى مرآة صادقة عاكسة لنبض المجتمع وأحاسيسه، وإن أهمل الباحثون في علم الاجتماع السياسي هذه الظاهرة أو حتى احتقروها نسبيا”.
ويضيف “بعد هدنة نسبية، عادت الهتافات والأهازيج إلى التعبير الصريح عن الخيبة والإحباط من حُكم بوتفليقة، وعاد معها السب والشتم وحتى العنف والتخريب في طريق العودة من الملاعب إلى البيوت”.
واقتباسا من عنوان المسلسل الإسباني الشهير “بيت من ورق” الذي يحكي قصة سطو على مركز طبع النقود، ألّفت فرقة “أولاد البهجة” أغنية بعنوان “la casa delmouradia” مسقطة قصة السطو على قصر المرادية للرئاسة.
ووصفت تلك الأغنية -التي وجدت طريقها إلى قلب المسيرات وتغنى بها ملايين المشاركين- ولايات بوتفليقة بعملية منظّمة لنهب ملايير الدولارات من المال العام.
وفي انتظار الاهتمام الأكاديمي بظاهرة “أغاني وأهازيج” الأنصار، وفي ظل حالة الإفلاس الشامل للنخب السياسية والثقافية والفكرية، قدمت تلك الأغاني دليلا آخرا على أن الملاعب تستمر لوحدها في إنتاج الظواهر الرياضية والاجتماعية وحتى الفنية والسياسية.
مريم. ع