الثقافي

خيرة بوعتو تصف الوضع الثقافي بالمتدني والكئيب

قالت إن المهرجانات بهرجة والمسرحيون منافقون

تعتبر الكاتبة جزءا هاما من العملية المسرحية، حيث لا مسرح من دون نص، ورغم ذلك نجد دور الكاتب المسرحي يتراوح عربيا بين نقيضين، فإما أن يكون الكاتب هو نفسه المخرج والذي قد ينتج نصا هزيلا على حساب مقاسه الإخراجي، وإما أن يكون الكاتب أديبا دون دراية بالفارق بين المسرح والأدب، وهو ما أكدته الكاتبة المسرحية خيرة بوعتو في تصريحات نقلتها عنها صحيفة "العرب"، إذ تقول: “أهتم بشكل كبير بالمسرح، والحياة الثقافية في البلد على العموم”، تقول الكاتبة والمسرحية الجزائرية خيرة بوعتو، مضيفة “أنا في حالة تساؤل مستمرة عن الوضع الثقافي في الجزائر. فمقارنة بتونس والمغرب إن الوضع الثقافي عندنا في الجزائر متدن وكئيب. هناك نفاق كبير وعدوانية كبيرة بين الفنانين والمثقفين. وللأسف لا نملك المثقف النموذج، فما فعله الروائي رشيد بوجدرة مثلا مع الروائي الشاب كمال داود باتهامه زورا بأنه كان منتميا إلى جماعة إسلامية إرهابية، وما تعرض له كمال داود أيضا من مضايقات من الإسلاميين تدعو إلى القلق الكبير أمام الوضع السيء الذي نعيشه، وهذا ما يدعونا بشكل كبير إلى التفكير في النضال من أجل علمانية حقيقية حتى لا يتكلم أحد باسم الله. ولا نملك الآن أي مسرحي أحدث أي خطر على أي مؤسسة سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو دينية، فالكل خاضع”.

تقول خيرة بوعتو “ربما لا يدرك البعض مدى قدرة المسرح على التغيير، فهم يتعاملون معه بنوع من التساهل متجاهلين دوره الحقيقي. وأظن أن ما أفسد الوضع أكثر هو ما عاشه البعض من بحبوحة، فأصبحت ممارسة المسرح لديهم تعادل المال، وكانت جل أعمال هاته الفترة سواء مناسباتية، خصوصا ما يتعلق بالثورة التحريرية أيام الخمسينات، أو ما يتعلق بإحدى تظاهرات العواصم التي عرفتها الجزائر. وقد غلب على الوضع منَ يغتنمون الفرص وغاب أصحاب الكفاءات، وهاجر البعض الآخر. ولهذا لم نشاهد عروضا مهمة ذات بعد فني جمالي”.

وترى بوعتو أنه حتى المهرجانات المسرحية السائدة في تلك الفترة أو المقامة حاليا، لا تعبر عن حركة ثقافية حقيقية، بل مجرد بهرجة، ونفس الشيء مع مهرجان السينما المقام بوهران، فلا يعقل، في رأيها، أن تصرف العديد من المليارات على مهرجان للسينما، بينما ليس في البلد سينما، إلا من بعض الأفلام الثورية المشكوك حتى في تفاصيلها التاريخية، بل أصبحت هاته الأفلام مصدر رزق للبعض من المخرجين. ونظرا إلى كل هذا لا تعتقد بأن هذا الوضع مؤهل لخلق مسرح جاد وحقيقي، بل مجرد فقاعات هوائية هنا وهناك.

ولدى سؤالها عن غياب جمهور المسرح الجزائري، وما إذا كان انتشار الفكر الديني المتزمت سببا في ذلك، ترى الكاتبة أن “هناك مجموعة أسباب متداخلة مع بعضها، منها بالطبع انتشار الفكر الديني المتطرف، فقد اختلت موازين عديدة بعد العشرية السوداء في مجال الثقافة، بقتل فنانين ومثقفين، وبتهديدات عديدة. إضافة إلى أن الدولة لم تهتم بالفن منذ الاستقلال. وبالتالي نتج عن ذلك مجتمع لا يهتم بالثقافة، بل همه الوحيد إيجاد عمل مناسب، ومنزل محترم للعيش. فهو بعيد كل البعد عمّا هو ثقافي، إلا في بعض الحالات الشاذة”.

وتضيف بوعتو “الواقع إن المسرح ابتعد وما زال يبتعد عن الجمهور منذ أن صار لم يعد يطرح القضايا اليومية التي يعيشها الناس، فبات الجمهور لا يهتم بالمسرح، رغم أنه يهتم كثيرا بالذهاب إلى المسجد في كل الأوقات”.وتتابع “نحن نحتاج إلى الثقافة كما نحتاج إلى الله، الله جميل يحب الجمال، فلمَ نبتعد عن الجمال والفن. لدينا الكثير من المساجد الضخمة والمصليات في كل حي، ولا نملك دورا للثقافة بهاته الأحياء. نرى الناس قادرين على دفع قيمة سندويش ثمنه 500 دينار جزائري ويريدون العروض المسرحية المجانية، لذلك كثرت المطاعم وغابت الثقافة. حين يريد الجمهور عروضا مجانية فهذا يعني أنها إضافية ولا تعنيه كثيرا، لأنه لم يتعلم صرف المال مقابل التمتع بعمل فني، في حين يبحث دائما عن الاستهلاك وهذا الوضع يتقاسمه المجتمع مع النظام الذي أوجده”.

وترى بوعتو أنه من الضروري إعادة بناء الإنسان الفنان والإنسان المتذوق، وهذا بإدخال مادة الفنون بالمدرسة، وبكالوريا فنون، كما توجد تخصصات علمية وأدبية بالبكالوريا. كما هو الحال في تونس. ثم التكوين بجميع تخصصات الفنون، وبجودة عالية بالاعتماد على مختصين من الخارج، من الدول المتقدمة، وعلى كل المستويات وليس الاهتمام بمعهد وحيد على المستوى الوطني، كما هو الحال مع المعهد العالي لفنون العرض، هذا المعهد الميؤوس منه. ثم ضرورة الاهتمام بالتكوين الجامعي للفنون، فحالة الفنون بالجامعة الجزائرية تعيش كوارث وحالات اختراق كبيرة.

وترى الكاتبة أن العوامل التي أدت إلى تراجع المسرح في حياة الجزائريين عديدة ومتداخلة، أهمها التكوين، المسرحي الجزائري سواء كان كاتبا، مخرجا، ممثلا، سينوغرافيا أو تقنيا، يعاني من ضعف كبير، وغير مكون بشكل جيد. فمن الضروري التأكيد على التكوين الفني، إضافة إلى غياب محرك هام للعملية المسرحية ألا وهو النقد، فالنقد غائب تماما، إلا من بعض المقالات الصحافية غير المتخصصة، والتي هي مجرد تغطيات للعروض لا غير. وحتى النقد الأكاديمي موسمي في إطار البحث العلمي للحصول على شهادات التدرج وما بعد التدرج، ثم يتوقف الباحث عن البحث، إلا من بعض المقالات العلمية التاريخية أو النظرية التي لا صلة لها بالواقع المسرحي للبلد.

فريدة. س

من نفس القسم الثقافي