الثقافي
"سبع حكايا تعود من بعيد": ضحايا أم غزاة؟
يشتغل الكاتب على مفارقات إنسان بلدان العالم الثالث
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 22 فيفري 2019
تعود حكايات الروائي والطبيب الفرنسي، جان كريستوف روفان (1952)، التي حوتها مجموعته القصصية الأولى "سبع حكايا تعود من بعيد" في أسلوبها إلى زمن فتنة الحكي الكلاسيكية، في خفّة حكايا الشعوب التقليدية؛ بحضور الحبكة والسخرية والنهايات غير المتوقّعة.
العمل الصادر مؤخّراً عن "سلسلة إبداعات عالمية" التي يصدرها "المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب" في الكويت (ترجمة لينا بدر)، قريبٌ من حياة كاتبه الذي عمل مع منظّمات دولية في بلدان كثيرة شهد بعضها صراعات إثنية وحروباً أهلية، إلّا أن روفان يختار أن يطلّ بقصصه من على شرفته الباريسية سارداً معاناة مواطني هذا العالم، فإن انتقل هؤلاء إلى بلاده كمهاجرين ولاجئين، تغيّرت صورتهم من ضحايا إلى غزاة.
في أول نصوصه، "فرانكفونية"، يتناول قصة فتاة قيرغيزية تعلّمت اللغة الفرنسية كي تكسر عزلتها، يتأرجح مصير الفتاة بين قيام وانهيار الجدار الحديدي للكتلة الشيوعية، لتنتهي إلى تلقّي نصيحة مستضيفها في الغرفة 224 في أحد فنادق باريس: "اللغة لا تصنع كل شيء، قد تتحدّث بها بطلاقة وتكون مُبعَداً".
تتبدّى المخاوف من "غزو العالم الثالث" أكثر في القصة الثانية "الغارقون". زوجان يعيشان في جزيرة نائية، ويعانيان من فوبيا الوافدين الجدد، حيث تنهض المرأة فجراً لتتّجه إلى الشاطئ. وهناك، تتفاجأ بتمثال الإله "فيشنا" الهندي، وقد نُصب في الليل، يدبّ الرعب من الوافد الجديد، ثم تتلاشى هوية الجزيرة بدخول الوافدين الجدد؛ صينيون، ومسلمون، وهنود وهندوس، ليصبحوا أكثرية، فيهجر الزوجان المكان أخيراً.
تعرض القصة الثالثة "ملجأ ديل بييرو" وجود الأماكن في ماضي زائريها، على سفوح مرتفعات دولوميتي، التي يتنازع عليها الإيطاليون والنمساويون، حيث يروي متسلّق جبال متقاعد لعابرين قصة عودته إلى هوايته بعد اثنتين وثلاثين سنة من الاعتزال، إذ أقنع عائلته بصعود الجبل إلى نقطة الوصول عند ملجأ ديل بييرو، ليجد أن الملجأ لم يعد موجوداً هناك منذ ثمانية عشر عاماً.
يستفيد روفان من عمله كطبيب في قصة "ليلة مناوبة" التي يتناول فيها مهنة الطبيب باعتباره أيضاً قاضياً يصدر صكوك الموت والحياة، حيث يضيء هذه الوضعية التي يتحوّل فيها الطبيب إلى مقرّر مصير البشر، وهو ما يردّده بطلها: "أنا ذاك الذي بوسعه أن يجعل من ذلك الرجل ميتاً حقيقياً، وللأبد".
بعين المؤرّخ، يكتب روفان قصة "عشّاق لورنسو مارك" ساخراً من مفارقات كثيرة في دول العالم الثالث، مثلما فعل الموزمبيقيون في إحدى مدنهم، حين جعلوا المركز الثقافي الأميركي يفتح على شارعَي ماو تسي تونغ وكيم إل سونغ، فيما يعج شارع كارل ماركس بسيارات تويوتا.