الثقافي

بيير لارشيه.. عودة إلى حقل سيئ السمعة

يضيء على التفاعل بين الاستشراقَين الأدبي والعالِم

لا نعرف الكثير عن المصادر التي استقى منها كتّاب أوروبيون معروفون، مثل غوته وفولتير وهوغو وبلزاك ولويس أراغون، المادة الخام التي بنوا انطلاقاً منها نصوصاً استحضروا فيها "الشرق"، ولا الظروف التي جرى فيها ذلك.

في كتابه: "الاستشراق العالِم والاستشراق الأدبي: سبع مقالات عن علاقتهما"، الصادر عن مشورات "أكت سود"، يحاول المُستعرب الفرنسي بيير لارشيه سدّ هذه الثغرة. يضيء لارشيه (وهو، إلى جانب عمله أستاذاً جامعياً مختصاً في اللسانيات العربية، صاحب ترجمة للمعلّقات إلى الفرنسية)، على التفاعل بين هذين الاستشراقَين، وخصوصاً على دور بعض الباحثين الأوروبيين في اللغات والآداب الشرقية، في تغذية نصوص باتت اليوم من أبرز أعمال الاستشراق الأدبي.مقالات الكتاب الست الأولى تتناول أعمالاً أدبية، فيما تتوقّف المقالة الأخيرة عند العلاقة بين الأوبرا والاستشراق. يسائل الكاتب، في مقالته الأولى، الفكرة الشائعة حول اقتباس فولتير للقرآن، وتحديداً سورة الكهف، في حكايته الفلسفية "صادق أو القدر"، مقدّماً بديلاً لهذه الفرضية. ثم يعود، بعد ذلك، إلى العلاقة بين غوته وتأبّط شراً، التي كان قد تناولها في كتاب سابق ("قاطع الطريق والعاشق"، 2012)، باحثاً عن المصدر الذي "اقتبس" منه الشاعر الألماني لاميّة تأبط شراً في كتابه الشهير، "الديوان الغربي للمؤلف الشرقي".المقالة الثالثة تعرّج على علاقة مستشرق مغمور، في زمنه وفي أيامنا هذه، هو إرنست فوينيه Ernest Fouinet، مع فيكتور هوغو، ودوره في تزويد الأخير بترجمات وتوضيحات استفاد منها في ديوانه "الشرقيات".

تتوقف المقالة الرابعة عند تفصيل طريف بقدر ما هو خصب للحفر والبحث، يقدّمه بلزاك في روايته La peau de chagrin (المعرّبة تحت عنوانين مختلفين، "الجلد المسحور"، و"جلد الحبب"). تنبني الرواية (الصادرة عام 1831) حول قطعة جلد سحرية، منقوش عليها بالفرنسية "عبارة شرقية"، تبدأ بـ: "إذا امتلكتني، ستمتلك كلّ شيء. لكنّ حياتك ستصبح ملكي".تسمح قطعة الجلد هذه لبطل الرواية بتحقيق كل ما يرغب به، لكنها، في المقابل، تقضم من حياته مع كل رغبة تحققها له. يقدم بلزاك هذه الجملة في روايته على أنها ترجمة لأصل سنسكريتي. لكن، بدءاً من طبعة 1838، سيرفق الروائي والناشر عبارة عربية إلى جانب العبارة الفرنسية، دون أن يغيرا في متن الرواية أي شيء. أي أن النصّ العربي سيُقدَّم بوصفه الأصل السنسكريتي! هذا التفصيل الإشكالي يدفع بيير لارشيه إلى البحث في خلفياته.

المقالة الخامسة تعود إلى مسرحية شكري غانم الغنائية، أو الشعرية، "عنتر" (1910)، مسائلة ما لم يسائله كثير من الباحثين في التراث وتاريخ الأدب العربيين: كيف تحوّل الشاعر، عنترة (بالتاء المربوطة)، إلى البطل الروائي والشعبي عنتر؟ آخرة المقالات تتوقف عند استلهام لويس أراغون الصياغة النحوية العربية في قصيدته "طوّافة" (أو "طوق النجاة": Bouée).

من نفس القسم الثقافي