الثقافي

محمد البوعيادي: استكشاف جماليات جديدة

النقد يقيس السينما المغربية بالفيلم وليس بالتجربة

بينما لا يزال النقد السينمائي في المغرب أسير أسئلة طُرحت منذ عقود، تصدر بين الحين والآخر متون نقدية تتجاوز هذه الأسئلة. وعلى أهمية هذا الحقل المعرفي، وضرورة أن يُجاري التجربة السينمائية المغربية التي تجاوزته بكثير، فإنه لم يأخذ قيمته ومكانته المطلوبتين؛ إذ لا تزال القراءات التي تُقدَّم تقيس السينما المغربية بالفيلم وليس بالتجربة والمراحل. كما أن الاهتمام بالسينما مرتكز، فقط، على الجوانب التي تجلب الإشعاع والبهرجة، وهي الرؤية التي يشترك فيها المسؤولون عن القطاع والعاملين فيه، وجمهوره أيضاً.لكن مستوى النقد، لا يمنع من إصدار العشرات من الكتابات عن السينما وقضاياها، وربما يكون أحدثها كتاب "السينما المغربية: أسئلة التأويل وبناء المعنى"، الذي صدر مؤخّراً للناقد محمد البوعيادي، ويضمّ بين دفتيه مادّة نظرية مهمّة ومطّلعة، إضافة إلى اشتغاله المعمّق على نماذج سينمائية لمخرجين بخلفيات معرفية وفنية مختلفة.

وإذا كان محمد شويكة، في المقدّمة التي وضعها للكتاب، قد شبّه مؤلَّف البوعيادي بكتابات عبد الفتاح كيليطو وعبد السلام بن عبد العالي من حيث الخيار المنهجي، فهو أيضاً يشبههما من حيث لغة الكتابة، إذ تصير اللغة متعة ثانية توازي متعة الموضوع الذي تقاربه، لغة لا تحتمي كثيراً بدهاليز المفاهيم، بل تحلّل الموضوع وتقدّمه للقارئ.يقترح المؤلّف قسمين للكتاب؛ يقارب في الأول أهم القضايا السينمائية في المغرب؛ مثل النقد السينمائي ومفاهيمه، يعود إلى تأصيل الممارسة النقدية في المغرب ويعتبرها جنساً وافداً، شأنه شأن الإبداع السينمائي، مع أسبقية وجود النقد الذي كان يحلّل الأعمال السينمائية الكولونيالية.

نقرأ أيضاً محاولات في التأويل وبناء المعنى في النقد السينمائي المغربي؛ حيث يُبرز البوعيادي قدرة القراءة التأويلية في استنطاق معاني الفيلم. فوظيفة النقد التأويلي تتحدّد أساساً، وفقاً للكاتب، من خلال قيمة استحضار الشرط التاريخي ومركزيته في تفسير الاستعارات والمضامين والمعاني التي يتضمّنها الفيلم. والحوار مع الفيلم داخل حدود التأويل يتحقّق مع الإبداع السينمائي الذي يصير فيه الحكي مجرّد وسيلة لتقديم وجهات نظر حول الأسئلة الكبرى للوجود.

في فصل آخر، يعالج الكتاب وظائف الصورة ودور السينما؛ هل هي وسيلة ترفيه أم وسيلة لبناء المعنى مع مناقشته باقي الوظائف الأخرى التجارية والتربوية. ويختم البوعيادي القسم الأول من إصداره، بدراسة إشكال القاعات السينمائية في المغرب، فيعود إلى دور القاعة في ترويج المنتوج الفيلمي، ويمرّ بمراحلها الكبرى: فترة الاستعمار، وما بعد الاستعمار وازدهار القاعات السينمائية وثقافة الفرجة في المغرب، وصولاً إلى فترة الانحسار والإغلاق المتوالي الذي صادف، في مفارقة غريبة، بداية تشكّل ملامح السينما المغربية.

يتشكّل القسم الثاني من الكتاب من ست قراءات في أفلام مغربية، تتناول المقدّس باعتباره أفقاً للخلاص في فيلم "باب السما مفتوح" للمخرجة فريدة بليزيد، والبحث عن تجريب جماليات بديلة في فيلم"نساء.. ونساء"، للمخرج سعد الشريبي، كما يدرس سؤال التاريخ في فيلمين هما "عطش" لـ سعد الشريبي، و"عشاق موغادور" لـ سهيل بن بركة، ويقدّم قراءة في بنية الحكاية/ الحكايات في فيلم "خيط الروح" لـ حكيم بلعباس، إلى جانب قراءة في البنية الدلالية والرمزية في فيلم "ألف شهر" لـ فوزي بن سعيدي.

من نفس القسم الثقافي