الثقافي

"كليلة ودمنة": خوسيه ماريا ميرينو في أثر ابن المقفّع

رغم قِدمه، يتحدّث العمل عن سلوكاتنا وممارساتنا الراهنة

البحثُ عن نبتةٍ تبعث الموتى أحياءً في الهند كان عاملاً أساسياً ساعد على ميلاد الأدب الإسباني واستلهام الآداب الأوروبية للحكايات والخرافات على لسان الحيوانات. هذه الحكايات الهندية التي تعود إلى ما قبل أكثر من 1500 سنة، والتي جُمعت تحت عنوان "كليلة ودمنة"، وقام عبد الله بن المقفع (724 - 759) بنقلها إلى العربية، ارتحلت إلى شبه الجزيرة الإيبيرية في القرن الثالث عشر الميلادي، حين أمر ملك قشتالة، ألفونسو العاشر (1221 - 1284)، المعروف بلقب "الحكيم"، بترجمتها إلى القشتالية، فكانت أوّل عمل من وحي الخيال يُنشر بتلك اللغة.

ومن المعروف أن ألفونسو العاشر، الذي تذكُره المدوّنات الإسلامية باسم "الأذفونش"، انفتح على الأدب والفكر الشرقيَّين. ورغم خصومته السياسة مع المسلمين، فقد بلغ الاهتمام بالثقافة الأندلسية والإسلامية ذروته في عهده الذي شهد بروز "مدرسة طليطلة للمترجمين"، التي ضمّت مترجمين من ثقافات ولغات متعدّدة، وساهمت في وضع اللبنات الأولى للأدب القشتالي.اليوم، يعود "كليلة ودمنة" إلى لغة ثيربانتس في طبعة جديدة أنجزها الروائي والقاص والأكاديمي الإسباني، خوسيه ماريا ميرينو (1941)، لتؤكّد بأن الحداثة تكمنُ في قدرة الأثر الأدبي على اختراق الزمن وتحقيق راهنيته في كل عصر، أو كما يقول مترجم الطبعة الجديدة من الكتاب "الحداثة تكمن في تحقّق الزمن خارج الزمن".

خلال القرون المنصرمة، يبدو الكتاب وقد تعرّض في إسبانياً إلى نوع من التعتيم الذي يشبه الكسوف، فتحوّل إلى عمل أثري يُقرأ قراءة أركيولوجية، بسبب قلّة طبعاته، وما اعتراها من نواقص، لعلّ أبرزها الصياغة اللغوية التي أفقدته التحيين والحياة.

أنجز ميرينو صياغة لغوية معاصرة وجديدة للعمل وفّرت له شروط الوضوح والقابلية للمقروئية والتداول بين المهتمّين بالآداب. كما أرفق الطبعة بثمانين رسماً توضيحياً. وحسب قوله، فإن العودة إلى الكتاب تأتي في حقبة تشهد على "حرب وحشية معلَنة ضد الآداب والعلوم الإنسانية".

في أحد حواراته الصحافية، على هامش تقديم الكتاب، قال ميرينو: "حين تستوعب هذا الصنف من الأعمال، التي أصبحت تُفتقد اليوم، تشعر بالمتعة؛ لأنها تتحدّث عن سلوكاتنا وممارساتنا الراهنة، وإن كانت ترتهن إلى تقديمها كتحف قديمة. إن الحفاظ عليها مسؤولية عامّة، مثلما هي مسؤولية خاصّة في الآن ذاته".استغرق الكاتب ثلاث سنوات ونصف لإعادة صياغة العمل الذي شدّه منذ أن قرأ، في طفولته، حكاياته التي صاغها الكاتب الإسباني فيديريكو كارلوس ساينث دي روبليس (1898 – 1982): "حين حاولتُ إعادة قراءة هذه الحكايات، اكتشفت أن ذلك كان شبه مستحيل بسبب ذلك الإحساس بواجب إبراز الاحترام المطلَق نحو نصوص لها مكانتها التقديرية. والواقع أن نسبة سبعين بالمئة من العمل لا يمكن فهمه أو استيعابه".

في العام والنصف الأخيرين، حاول ميرينو أن يتفرّغ بالكامل لإنجاز هذا العمل الترجمي التحييني، محاولاً الوصول إلى إعادة صياغةٍ لمجموع حكايات "كليلة ودمنة"، عن ذلك يقول "هذا الإنجاز، حتى وإن لم يكن عملاً متخصّصاً، فإنني كقنّاص ورجل آداب، ليس من واجبي البتّة أن أحترم، بطريقة شكلية ومطلقة، نصّاً يعسر على القارئ فهمه واستيعابه".

من نفس القسم الثقافي