الثقافي

أناهيد الحردان: أصوات اللجوء الفلسطيني في سورية

يُضيء على حيوات وذاكرات المجتمع الفلسطيني في سورية

لم تكُن الباحثة الفلسطينية، أناهيد الحردان، تعلم أن بحثها، الذي يرتكز على 63 مقابلةً موسّعة قامت بها خلال ستّة أشهر عاشتها في مخيّم اليرموك في دمشق عام 2008، سيكون بمثابة "شاهد أخير" على حيوات مجتمع فلسطيني مات بعضه أو قُتل، بينما تهجّر البعض الآخر داخل سورية وخارجها، بسبب الحرب الطاحنة.

"فلسطينيون في سورية: ذكريات النكبة في مجتمعات متشظّية"، هو عنوان العمل الصادر حديثاً بالإنكليزية عن منشورات "جامعة كولومبيا" في نيويورك، وفيه تسلّط الحردان الضوء على حيوات وذاكرات المجتمع الفلسطيني اللاجئ في سورية، وتحديداً مخيّم اليرموك وأحياء دمشق.

يبحث الكتاب، في ستّة فصول، إضافة إلى المقدّمة والخاتمة، عن معاني النكبة وحضورها وتحوّلاتها على مدار سبعة عقود عند أجيال فلسطينية مختلفة في "اليرموك". كما يتعامل مع تحوّلات المصطلح مع مرور الوقت في العالم العربي ومعناه لدى الفلسطينيين عموماً، واللاجئين منهم بصورة خاصة. ويركّز البحث على خصوصية وضع الفلسطينيين في سورية مقارنة ببلدان اللجوء الأخرى التي اضطرّوا للنزوح إليها، كلبنان والعراق والأردن ومصر والكويت.حول هذه الخصوصية، تقول الحردان، في حديث إلى "العربي الجديد": "انتبهت، في بداية بحثي، إلى أن الكثير من الباحثين الذين تناولوا قضية اللاجئين الفلسطينيين ركّزوا على المخيّمات الفلسطينية في لبنان، ولاحقاً تلك التي في الأراضي المحتلّة عام 1967، في الضفة وغزّة خصوصاً".

تشير الحردان إلى أن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والضفّة وغزّة أُجبروا على أن يكونوا فلسطينيين، إن صح التعبير، بسبب الظروف المحيطة بهم، "سواء كان ذلك بسبب سياسات الدولة اللبنانية التي تميّز ضد اللاجئين الفلسطينيين أو سياسات الاحتلال". لكن الوضع اختلف في سورية، حيث حصلوا على حقوق عمل ودراسة ومعيشة وبناء وتملّك كاملة (إلا في ما يتعلّق بالتصويت والترشيح)، قبل صعود "البعث" ونظام الأسد إلى الحكم. وهذه الحالة جديرة بالدراسة.

تضيف الحردان قائلة: "الاهتمام جاء من هذا المنطلق، أي أن هناك مجتمعاً فلسطينياً يتمتّع بكل حقوقه، أو لا يتمتّع بها، مثله مثل ابن البلد، السوري. ولذلك، فمن ضمن الأسئلة التي كان يجب عليَّ أن أطرحها: ما معنى الهوية الفلسطينية في هذا السياق؟ ما صلة الناس بالذاكرة الفلسطينية وبعام 48؟ وما المميَّز في هذه التجربة؟ وما صلتهم بفلسطين؟".

تؤكّد الباحثة الفلسطينية، التي تعمل حالياً أستاذةً مساعدة في "الجامعة الأميركية" في بيروت، أن قصتها الشخصية كلاجئة من الجيل الثالث لعبت، هي الأخرى، دوراً في اهتمامها بالموضوع، وهو ما تعكسه في كتاباتها أحياناً بشكل لافت. إذ عاشت في سبعة بلدان. تتحدّر والدتها من يافا واللد، لكنها وُلدت في بغداد كلاجئة وعاشت في الكويت.

تتميّز كتابة الحردان بحيوية وسلاسة بعيداً عن اللغة الأكاديمية الجافّة والمتكلّفة التي نجدها في عدد لا بأس به من الكتب الأكاديمية. في كتابها، تورد عشرات المقابلات التي أجرتها وتقتبس أجزاءً كبيرة منها، واضعة إياها في سياقها الأوسع والأكثر تعقيداً حول معاني النكبة والفقدان وفلسطين على الصعيدين الشخصي والجمعي بالنسبة إلى الذين قابلتهم. كما تتناول خلال ذلك معنى تعدّد الهويات والانتماءات.

من نفس القسم الثقافي